أنشأت شركة "راينميتال" الألمانية العملاقة للصناعات الدفاعية مصنعا في مدينة فيتسه (ولاية شمال الراين-ويستفاليا الألمانية) بتكلفة حوالي 200 مليون يورو لإنتاج مكونات رئيسية للقاذفة الشبحية "إف-35". واحتفل رئيس الشركة، أرمين بابرجر، ورئيس حكومة ولاية شمال الراين-ويستفاليا، هندريك فوست، في الأول من يوليو/تموز الجاري بإتمام البناء في الموقع. يوضح هذا المثال أن صناعة الدفاع في ألمانيا تشهد ازدهارا ملحوظا، حيث تستثمر الشركات الكبرى بكثافة في توسيع قدراتها الإنتاجية في ظل تزايد الإنفاق الحكومي على الجيش. وهذه لمحة عامة عن النمو السريع للقطاع مع أمثلة مختارة.
راينميتال (دبابات، مدفعية، دفاع جوي، ذخيرة)
بلغ إجمالي قيمة متأخرات أكبر شركة دفاع في ألمانيا 6ر62 مليار يورو بنهاية مارس/آذار الماضي. ويشمل ذلك الطلبات المتأخرة، والاتفاقيات الإطارية، والتوقعات من علاقات تجارية أخرى. وفي نهاية عام 2021 - قبل بدء الحرب الروسية في أوكرانيا - كان هذا الإجمالي أقل من نصف هذا المبلغ (5ر24 مليار يورو). كما تشهد المبيعات والأرباح ارتفاعا حادا، ومن المتوقع أن يزيد عدد الموظفين لدى الشركة بمقدار الربع ليصل إلى 40 ألف موظف خلال عامين. وقد ارتفع سعر سهم الشركة بنحو 18 ضعفا منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022.
ويؤدي ضعف أعمال الشركة كمورد لقطع غيار السيارات إلى تعكير الأجواء. ومن المتوقع أن ينتقل جزء من القوى العاملة في قطاع السيارات إلى قطاع الدفاع في المستقبل. وتعمل "راينميتال" على توسيع أكبر موقع لها في أونترلوس بولاية سكسونيا السفلى الألمانية عبر مصنع ذخيرة جديد بتكلفة تبلغ حوالي 300 مليون يورو. ويُصنَع الجزء المركزي من هيكل الطائرة "إف-35" في فيتسه، حيث تعمل "راينميتال" كمورد لشركة الدفاع الأمريكية "نورثروب جرومان". وتُعد الشركة الألمانية واحدة من أهم موردي الأسلحة لأوكرانيا، بتمويل جزئي من الحكومة الألمانية.
هينسولت (أجهزة الاستشعار والرادارات)
تُظهر الحرب في أوكرانيا أهمية الحرب الإلكترونية. ويستفيد من هذا التوجه شركة "هينسولت"، ومقرها تاوفكيرشن بالقرب من ميونخ، وهي مورد لأجهزة الاستشعار وأنظمة الرادار. وارتفعت مبيعات الشركة بنحو النصف لتصل إلى حوالي 2ر2 مليار يورو منذ بدء الحرب. وتهدف الشركة، التي يعمل بها حوالي 9 آلاف موظف، إلى تحقيق إيرادات لا تقل عن 5ر2 مليار يورو هذا العام و6 مليارات يورو بحلول عام 2030. وتُستخدم رادارات هينسولت في حرب أوكرانيا لحماية السكان من الهجمات الجوية الروسية، كما تُستخدم في طائرات "يوروفايتر" المقاتلة.
وتمتلك الحكومة الاتحادية الألمانية أقلية مانعة تزيد قليلا عن 25% في الشركة، التي كانت سابقا مملوكة لإيرباص. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، استثمرت هينسولت مليار يورو في منشأة جديدة للبصريات الإلكترونية في أوبركوخن. كما تُصنِّع الشركة مناظير (بيريسكوب) للمركبات المدرعة ومناظير للغواصات.
تيسنكروب للأنظمة البحرية (غواصات)
هي شركة تابعة لمجموعة "تيسنكروب" الصناعية. وبحسب بيانات الشركة التي يقع مقرها في كيل، فإنها تتمتع بمركز ريادي عالميا في سوق الغواصات غير النووية، ولديها سجل طلبات يتطلب إتمامه العمل بكامل طاقتها حتى أوائل أربعينيات القرن الحالي. وفي ديسمبر الماضي وافقت لجنة شؤون الميزانية في البرلمان الألماني (بوندستاج) على بناء أربع غواصات إضافية من الفئة "212 سي دي" للبحرية الألمانية. وبذلك، يرتفع العدد الإجمالي لهذه الغواصات إلى عشر غواصات، ست منها لألمانيا وأربع للنرويج. كما حصلت الشركة مؤخرا على عقد بقيمة 800 مليون يورو من الحكومة الألمانية لتحديث ست غواصات تابعة للبحرية.
ووفقا للشركة، تبلغ قيمة سجل الطلبات الحالي حوالي 18 مليار يورو. كما تتنافس الشركة للحصول على صفقة بناء غواصات لكندا. وإلى جانب حوض بناء السفن الرئيسي في كيل، تدير الشركة، التي يبلغ عدد موظفيها 8500 موظف، حوض بناء سفن في فيسمار بولاية ميكلنبورج-فوربومرن، والذي استحوذت عليه عام 2022.
ديناميت نوبل ديفينس (قنابل مضادة للدبابات)
لا تزال شركة "ديناميت نوبل ديفينس" ذات المسؤولية المحدودة مخفية إلى حد كبير عن أعين الجمهور. ومن المعروف أن الشركة زودت أوكرانيا بما مجموعه 16 ألفا و917 قذيفة مضادة للدروع من طراز "ماتادور" حتى أبريل/نيسان 2025 بتمويل من الحكومة الألمانية. وبالنسبة للشركة، التي توظف أكثر من 300 شخص، تمثل الحرب في أوكرانيا طفرة نمو هائلة. وفي إفصاح إلزامي صدر في مارس/آذار 2023، ذكرت الشركة أن مبيعاتها في عام 2022 - وهو العام الذي بدأت فيه الحرب - بلغت حوالي 140 مليون يورو، أي أكثر من ضعف مبيعات عام 2021 (58 مليون يورو). وشركة "ديناميت نوبل ديفينس" مملوكة لمجموعة "رافائيل" الإسرائيلية للأنظمة الدفاعية المتقدمة.
هيكلر آند كوخ (بنادق هجومية، رشاشات، قاذفات قنابل يدوية، مسدسات)
قبل أقل من عشر سنوات كانت شركة "هيكلر آند كوخ" تعاني من خسائر ضخمة، وتراكمت ديونها. وبلغ التدهور ذروته لدرجة أن القوى العاملة وافقت على العمل الإضافي غير المدفوع. لكن كل ذلك انتهى الآن؛ فشركة تصنيع الأسلحة المُربحة تنتقل بسرعة الآن من نجاح إلى نجاح. وتستثمر الشركة بقوة في مصنعها الرئيسي في أوبرندورف شمال الغابة السوداء، على سبيل المثال في إنشاء مركز رماية جديد. ومن المتوقع أن تزداد الاستثمارات بشكل أكبر في السنوات القادمة. ولن تقتصر أعمال الشركة على تزويد القوات المسلحة الألمانية بأسلحة جديدة فحسب، بل أيضا دول البلطيق والنرويج - أي الدول المجاورة لروسيا. ومنذ بداية عام 2022 زاد عدد موظفي الشركة بمقدار الخُمس ليصل إلى حوالي 1300 موظف.
إم بي دي إيه ألمانيا (صواريخ موجهة وصواريخ كروز)
يشهد الفرع الألماني لشركة "إم بي دي إيه" الأوروبية للصناعات الدفاعية نموا قويا. قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كان عدد موظفيها حوالي 1100 موظف، والذي ارتفع الآن بواقع نحو 300 موظف إضافي. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 1700 موظف بنهاية هذا العام. وتستثمر "إم بي دي إيه" في منشأة إنتاج جديدة في شروبنهاوزن بولاية بافاريا لتصنيع صواريخ موجهة لنظام الدفاع الجوي الأمريكي "باتريوت" - وذلك بعد أن حصلت الشركة على عقد بتوريد تلك الصواريخ للقوات المسلحة الألمانية وشركاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما تنتج "إم بي دي إيه" في مصنعها الألماني صواريخ موجهة لمقاتلات "يوروفايتر"، والذي حصلت الشركة مؤخرا على عقد كبير بشأنه. كما تصنع الشركة صواريخ "تاوروس" الجوالة.
إيرباص (مروحيات، طائرات مقاتلة، طائرات نقل، مُسيَّرات)
تشهد شركة "إيرباص" الأوروبية لتصنيع الطائرات نموا متسارعا في قطاع الصناعات الدفاعية. فبينما بلغ إجمالي قيمة طلبات المجموعة - أو بالأحرى قيمة "المتأخرات" - في هذا المجال 1ر43 مليار يورو في عام 2021، ارتفع هذا الرقم بعد ثلاث سنوات إلى 3ر55 مليار يورو. كما شهدت الإيرادات زيادة ملحوظة.
وتجري الشركة استثمارات كثيفة حاليا، حيث يُجرَى بناء مركز صيانة لطائرات النقل التابعة للقوات الجوية الألمانية في فونشتورف (ولاية سكسونيا السفلى) بحلول عام 2027، ما سيوفر 300 فرصة عمل. كما يُجرَى تحديث مواقع طائرات تصنيع المروحيات في دوناوفورت وكاسل-كالدن، إلى جانب تشييد مبانٍ جديدة هناك. ويوظف قسم الدفاع والفضاء في إيرباص حوالي 12 ألف شخص في ألمانيا، بينما يضم قسم المروحيات 7 آلاف موظف.
"هيلسينج" و "كوانتوم سيستمز" (مُسيَّرات):
تشهد شركات تصنيع المُسيَّرات طفرة كبيرة حاليا ويزداد عليها الطلب بشدة بين المستثمرين في ضوء توقعات بإمكانات نمو كبيرة لهذه الشركات. وقد جمعت شركة "هيلسينج" لتكنولوجيا الدفاع، ومقرها ميونخ، مؤخرا 600 مليون يورو إضافية من مستثمرين. وتُصنِّع الشركة بالفعل المسيرة الانتحارية "إتش إكس-2"، والتي تستخدمها أوكرانيا، ومن المقرر أن تختبرها القوات المسلحة الألمانية. كما عرضت الشركة مؤخرا نظاما تحت الماء ونظام ذكاء اصطناعي مصمما لتوجيه طائرات مقاتلة في سيناريوهات قتال جوي معقدة. وتُصنّع شركة "كوانتوم سيستمز"، ومقرها جيلشينج في ولاية بافاريا، مُسيَّرات استطلاعية.
0 تعليق