شهدت الحدود الجنوبية لـ لبنان، صباح الأربعاء، تصعيدا ميدانيا خطيرا تمثل في توغل قوة مشاة إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، ما يشكل خرقا جديدا للسيادة الوطنية ولاتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر عام 2024.
وفي هذا الصدد، قال عبد الله نعمة، كاتب وباحث سياسي، إن من الواضح أن إسرائيل لا تبدي أي التزام فعلي بقرارات الشرعية الدولية، وقد أثبتت التجربة أن سلوكها السياسي والعسكري لا يبنى على احترام المواثيق أو الاتفاقيات.

وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد": "ولهذا فإن أي مسعى للتفاوض معها، خاصة بوجود رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، يثير الكثير من المخاوف، نظرا لانعدام الثقة في نواياه وممارساته".
وأشار نعمة: "أما من جهة موازين القوى، فإن السلاح الذي يمتلكه حزب الله، رغم خطورته، لا يقارن من حيث التطور والدقة والقدرة التدميرية بترسانة إسرائيل العسكرية المتقدمة، فبينما يمتلك الحزب ترسانة من الصواريخ الباليستية، تظل إسرائيل متفوقة بمنظوماتها الدفاعية والهجومية الفتاكة، ما يفرض علينا إدراك حجم الفارق في ميزان الردع والقوة".
وتابع: "وفي المقابل، نؤكد أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الشرعية الوحيدة التي تمتلك الهيكلية والتنظيم والانضباط الكفيل بحماية الوطن من أي عدوان خارجي، إن تحصين الدولة يبدأ من تمكين الجيش وتعزيز سلطته، وليس من خلال وجود تنظيمات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة".
وأردف: "وعلى هذا الأساس، يجب أن يخضع حزب الله للشرعية اللبنانية، ويوافق على تسليم سلاحه لصالح الجيش، لأن أي سلاح خارج الدولة هو سلاح يشكل خطرا على وحدة لبنان واستقراره".
واختتم: "حزب الله يتصرف وكأنه الوصي الوحيد على أمن الوطن، لكنه في واقع الأمر يجر لبنان نحو مزيد من العزلة والصراعات، دون أن يمتلك القدرة الحقيقية على حماية نفسه، فضلا عن حماية البلاد، واستمرار هذا الوضع لا يخدم أحدا، بل يعرض لبنان لمخاطر جسيمة داخليا وخارجيا".
ووفق ما أوردته الوكالة الوطنية للإعلام، فإن قوة مشاة إسرائيلية معادية مؤلفة من نحو 20 جنديا توغلت فجرا في منطقة ريحانة بري الواقعة في سهل الماري – قضاء مرجعيون، انطلاقا من محيط بلدة العباسية الحدودية.
وخلال العملية، قامت القوة الإسرائيلية بتفتيش عدد من المنازل المأهولة والمهجورة في المنطقة، كما استجوبت عددا من المواطنين اللبنانيين والعمال السوريين، قبل أن تنسحب لاحقا من المنطقة.
وأفادت المصادر أن القوة اصطحبت معها عاملَين سوريين، لكنها أعادت إطلاق سراحهما لاحقا بالقرب من الحدود.
وتعليقا على هذا التطور، اعتبر النائب قاسم هاشم، في تصريح للوكالة اللبنانية الرسمية، أن هذا التوغل الإسرائيلي الجديد في بلدة ريحانة بري يؤكد مجددا أن العدو الإسرائيلي لا يلتزم بأي قرار دولي ولا يعير اهتماما للمساعي الدبلوماسية أو الوساطات القائمة.
وأضاف هاشم: "ما حصل اليوم ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو تأكيد لاستمرار العدوان الإسرائيلي واستباحته المتمادية للسيادة اللبنانية، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وتحديدا قوات اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان)".
وشدد على أن مسؤولية مواجهة هذه المرحلة الدقيقة تقع على اللبنانيين أنفسهم، سواء على مستوى المسؤولين أو القوى السياسية، داعيا إلى التعامل مع الملفات الأساسية وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي المتكرر، بما يتوافق مع المصلحة الوطنية العليا، وصون السيادة اللبنانية، في ظل التحديات المتسارعة التي تحيط بالبلاد.
تحليق مكثف للطائرات المسيرة
وفي سياق متصل، أفادت الوكالة أن ثلاث طائرات مسيرة إسرائيلية حلّقت صباح الأربعاء على علو منخفض جدا وبشكل دائري فوق عدة بلدات جنوبية في قضاء النبطية، شملت: فرون وكفرصير وصير الغربية ووقعقعية الجسر ويحمر وأرنون
كما سجل تحليق لطائرة مسيرة إسرائيلية منذ ساعات الصباح فوق بلدات:
- البابلية
- الوبية
- السكسكية
- أنصارية
وتأتي هذه الانتهاكات في ظل تصاعد مستمر للتوتر على الجبهة الجنوبية، مع تكرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق مدنية، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر 2024، والذي جاء بعد اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل و"حزب الله".
والجدير بالذكر، أنه في 8 أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل عدوانها على لبنان، الذي تطور لاحقا إلى حرب شاملة في 23 سبتمبر 2024، وأسفر عن سقوط أكثر من 4.000 قتيل وقرابة 17.000 جريح.
وبحسب البيانات الرسمية اللبنانية، فإن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 3.000 مرة منذ توقيعه، مما تسبب في استشهاد 258 شخصا وإصابة 562 آخرين.
استمرار الاحتلال
ورغم الإعلان عن انسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، فإن جيش الاحتلال لا يزال يسيطر على خمس تلال لبنانية احتلها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق لبنانية أخرى يحتلها منذ عقود، مما يعد تحديا صريحا للسيادة اللبنانية ولاتفاقيات الأمم المتحدة.
0 تعليق