قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن تصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات ، والخطوة الأولى في قسم البدايات هي "اليقظة"، وهذا يعني: «قُمْ من غفلتك يا غافل»؛ إذ لا يستطيع أحدٌ أن يخاطبك ويهز وجدانك إلا إذا استيقظت؛ لأن خطاب الميت، أو النائم، لا فائدة فيه، ولذلك سماه أهل الأصول «خطاب المُحَال»، أي: هناك حائل بيننا وبينه، ومحال: أي مستحيل أن يستجيب النائم أوالمغمى عليه أو المجنون أو الصبي الصغير، إذا ما خاطبته وقلت له -مثلًا-: قم فصلِّ.
وأشار إلى أن أول شيء: اليقظة. فإذا لم تتيقظ، وظلت الدنيا جالسة في قلبك، متربعة علىٰ عرشه، آخذةً بوجدانك وعقلك وتصرفاتك كلها.. فلا فائدة في هذا الكلام الذي سيتلوه عليك بعد ذلك.
فلابد من اليقظة؛ فمن تيقّظ فبها ونِعْمَت، ومن لم يتَيقّظ فلا فائدة فيه البتة.
ونوع ان تصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات، فلابد أن تبدأ بداية صحيحة، حتى لا تبكي بعد ذلك وتقول: "أنا أذكر ولا فائدة. أنا أذكر ولا أجد لذة الذكر. أنا أذكر وما زلت أفعل المعصية..." أنت لا تريد أن تتيقّظ.
كيف تتيقّظ؟
اعلم الحقيقة.. افهم أن الدنيا إلى فناء، ولا يكفي أن تعلم أن هناك موتًا، ولا يكفي أن تعلم أن الموت حقٌّ آتٍ؛ فكل الناس يعلمون هذه الحقيقة " المؤمن والكافر"، إنما يجب أن تعيش هذه الحقيقة، أن تكون مستحضرًا إيّاها في تصرّفاتك، أن تستحضرها من الكتاب والسنة، لا من اليأس والكآبة، فلا تسيطر على عقلك فتترك الدنيا والدين. فالسُنَّة ليست كذلك، بل السُنَّة أنك تعمل؛ لأن هذه دار عمل، وأن معرفتك بهذه الحقيقة وعيشك فيها يجعلك تعمل ليل نهار، لكن كل أعمالك تكون مخلصة للّه رب العالمين.
إذن اليقظة نوع من أنواع الإدراك والمعرفة؛ فبيدك أن تتيقّظ، وبيدك أن تقنع نفسك أن هذا الوقت الذي ضاع في الغفلة قد كفى، ولنبدأ من الآن.
قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} انتبه إلى هذه الكلمة {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} كم قرأناها كثيرًا، لكن ألم يخطر ببال أحدنا أن معناها: أن تقوم للّه عملًا، وأن تفيق بذلك من غفلتك، الغفلة التي فيها إعراض بالقلب عن اللّه.. فتُقبل عليه بهِمّة!
{أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: من أجل اللّه، لا من أجل غيره، أي: إخلاص النية للّه،
أو: أن تفعلوا الأشياء التي يرضى اللّه عنها،
أو: { تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: في سبيل اللّه. كل ذلك محتمل.
وقوله تعالى: { قُلْ} يعني: أن هناك آمرًا ومتلقّيًا، أي: خالقٌ ومخلوق.
{ إِنَّمَا }: تفيد الحصر، { أَعِظُكُمْ}أي: هناك موعظة؛ والموعظة هذه حسنة، والموعظة الحسنة من شأنها أن تؤثر في القلوب، فالمخاطِب هنا: رب العالمين، يخاطب عباده المؤمنين، ويحصر خطابه في قلوبهم، فكل كلمة لها معنى..
{ بِوَاحِدَةٍ } أي: هناك ثانية وثالثة.. إلخ، معناها أن هذا أول شيء، وأول الغيث قطرة، ثم ينهمر، فأولها: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: أن أول الطريق هو اليقظة.
هكذا يقول أهل اللّه... قد تجد في التفسير معنىً أو معاني أُخَر، لا مانع، فهذا اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، وكله يصح ما دام اللفظ يحتمله، وهذا إعجاز القرآن "كلام اللّه" «وَلاَ يَخْلَقُ –أي لا يبلى- عَن كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» فالقرآن غير مخلوق، خارج عن الزمان والمكان، فكأنه نزل الآن.
إذن فأول بصيص نور في القلب: أنك تدرك هذه اليقظة. أن يتنبه قلبك، وأن يلتفت إلى الحقيقة، وهي تتلخص في أنه: "لا حول ولا قوة إلا باللّه".
وتعلم الحقيقة، وهي: أن لا خالق إلا اللّه، ولا رازق إلا اللّه، ولا محيي إلا اللّه، وأن هذا الوجود إنما يستمد وجوده ومدده وبقاءه من اللّه، وأن اللّه عز وجل بخلاف العالم، وهو مخالف لكل الحادثات؛ فاللّه قديم والعالم حادث، واللّه باقٍ والعالم فانٍ، واللّه لا أول له ولا آخر، والعالم له أول وله آخر، واللّه حيُّ، بيده القوة، لا يحتاج إلى أحد، فهو قيوم السماوات والأرض، والناس تحتاج إليه.
0 تعليق