في ظل التصعيد المستمر والكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، تشهد الساحة السياسية تحركا أمريكيا مفاجئا يعيد ترتيب الأولويات الإقليمية والدولية، وزيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية تقليدية، بل جاءت في لحظة فارقة مع الضغوط الدولية لإيقاف آلة الحرب.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، إن الاستدعاء العاجل لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن إجراءً بروتوكوليا عاديا، بل خطوة مدروسة تحمل دلالات سياسية واضحة، تؤكد أن إدارة ترامب دخلت مرحلة ضغط جدي من أجل التوصل إلى اتفاق يوقف حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

وأضاف أبولحية في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذا التحرك الأمريكي يأتي في توقيت حساس داخليا وخارجيا، ويتقاطع مع رغبة ترامب في استثمار الملف الفلسطيني لتحقيق مكاسب انتخابية حاسمة، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، التي يعول عليها الجمهوريون لتعزيز وجودهم في الكونجرس.
وأشار أبو لحية: "بناء على ذلك ، فإنه قد بات وشيكا اتفاق مؤقت لـ وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما ، ومن المرجّح الإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة، ما لم تطرأ عراقيل طارئة".
وتابع: "وقد قدم ترامب ضمانات شخصية تؤكد التزامه بتحويل هذا الاتفاق المؤقت إلى مدخل حقيقي نحو وقف دائم للحرب، عبر مسار تفاوضي أوسع ترعاه واشنطن".
وأردف: "ينتظر أن يتوجه مبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويكتوف، إلى العاصمة القطرية الدوحة خلال الأيام المقبلة، لمواصلة النقاشات مع الوسطاء، والتنسيق مع الجهود القطرية والمصرية، في إشارة إضافية على جدية التحرك الأمريكي الحالي، وهذا التحرك لا ينفصل عن طموح ترامب المعلن في الفوز بـجائزة نوبل للسلام، والذي يرى أن مفتاحها السياسي والأخلاقي يمر عبر غزة، كما إنه يسعى لتقديم نفسه كرجل سلام دولي أعاد الاستقرار إلى الشرق الأوسط، كما وعد في حملته الانتخابية، رغم أن صورته كرجل سلام باتت مهزوزة بعد تورطه المباشر في التصعيد العسكري في اليمن ثم في قصف مواقع داخل إيران مؤخرا".
وأكد أبو لحية، أن التحركات الميدانية والدبلوماسية التي تقودها مصر وقطر تعد ركيزة أساسية في هذا الجهد المعقد، والجهود التي تبذلها القاهرة والدوحة لتقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل تقابل باحترام وتقدير واسع لدى شعبنا الفلسطيني، خاصة أنها تأتي في لحظة حساسة يسود فيها القلق والانقسام، وتقترب فيها الكارثة الإنسانية من مستويات غير مسبوقة في قطاع غزة.
وأكمل: "هذه التحركات، رغم أهميتها، لا يمكن أن تؤسس لسلام حقيقي إذا لم تبن على أساس واضح وثابت، فالتفاهمات الجارية الآن، والتي تتلاقى فيها مصالح شخصية ترامب الذي يسعى لورقة انتخابية، ونتنياهو الذي يبحث عن مخرج سياسي وقانوني للهروب من المحاسبة، ولن تؤدي وحدها إلى إنهاء الحرب أو رفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني.
ما يجري هو تقاطع مؤقت بين طموحين شخصيين، أكثر منه رغبة دولية حقيقية في تطبيق العدالة".
وأكد أنه من هنا فإن التوقف الحقيقي لحرب الإبادة الجارية لا يكون عبر هدنة مؤقتة أو صفقة سياسية عابرة، بل يتطلب مواجهة جوهر المأساة الفلسطينية المستمرة منذ عقود، وأوضح إن الحل الجذري يمر فقط عبر تبني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بـ القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هذه هي الأرضية الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى سلام شامل وعادل ودائم في المنطقة.
واختتم: "ما دون ذلك، سيبقى هباءا سياسيا وتدويرا للأزمة، قد يشتري الوقت لكنه لا يصنع سلاما، السلام لا يبنى على الركام، ولا على المجازر، ولا على دماء الأطفال والنساء تحت الأنقاض، بل على العدل والكرامة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإن تجاهل هذه الحقيقة، هو تمهيد مباشر لجولة قادمة من العنف والانفجار".
0 تعليق