«بوابة الحضارات».. المنارة المفقودة!! - اعرف كورة

الاسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ
«بوابة الحضارات».. المنارة المفقودة!!

طارق عبد الحميد

طارق عبد الحميد

إذا كانتِ الأندلس هي الفردوس المفقود في تراثنا العربي الإسلامي، فإن «بوابة الحضارات» (مؤسسة الأهرام) هي -والقياس مع الفارق بالطبع- «المنارة المفقودة»، والتي زينتِ المشهد الصحفي خصوصًا، والثقافي والحضاري عمومًا، لسنوات قليلة كانت أشبه بـ«الحلم الوردي» أو الحكاية المارة كالشهاب والخارجة من «كتاب الأساطير»، والتي ما لبثت أن اختفت بعد أن عشَّمتنا بالديمومة!!

منذ عشر سنوات، وتحديدًا يوم 30 يونيو 2015م، أطلقت «مؤسسة الأهرام» العريقة - في عهد رئيس مجلس إدارتها (آنذاك) د.أحمد السيد النجار- بوابتها الإلكترونية الأروع «بوابة الحضارات»، والتي عُنيت بالإبحار في مكونات «الهوية المصرية» وبتعميق معرفة وإيمان وتمثُّل المصريين لهويتهم الحضارية، فضلًا عن تقديم صورة الهوية الحضارية المصرية للعالم حتى لا تُترك تلك الصورة نهبًا للتشويه المروع من «شيوخ الطائفية» ومن قطعان الإرهابيين باسم الدين الذين أشاعوا صورًا سلبية عن ثقافة وحضارة أهل مصر والمنطقة العربية.

وقد انطلقت «بوابة الحضارات» من خلال كتيبة منتقاة من الصحفيين البارزين، يتقدمهم رئيس التحرير.. الأخ والصديق ورفيق العمر الصحفي الكبير والشاعر المميز أحمد خالد.. الذي رسم مع رفاقه الرائعين في هذه «البوابة الاستثنائية» مشهدًا صحفيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا يصعب تكراره، إذ ضربتِ «البوابة» بسهام نافذة في كل مجالات الحياة والثقافة والفكر والحضارة: من ثقافة الطعام والشراب والملبس والزينة، والبناء والزراعة والصناعة والتعدين والنظم الاقتصادية والسياسية، مرورًا بالغناء والموسيقى والرسم والنحت والمسرح والسينما والفن بكل فروعه، وأيضًا الأدب بكل ألوانه، والرياضة والعلوم الطبيعية والعسكرية، فضلًا عن الفلسفة والحِكم والأمثال والأخلاق والعلاقات الإنسانية والمحارم والأديان القديمة والأساطير، والأديان السماوية، وصولًا إلى «التصوف القديم»، والرهبنة، والتصوف الإسلامي، وغيرها من عناصر الهوية الحضارية المصرية.

وقد مثّل كل ما سبق، المكونات الحضارية المصرية الصميمة التي صارت تنتقل بالجينات بعد أن ترسَّخت قرونًا طويلة متعاقبة، وهي ما تثبت حقيقة راسخة عبر الزمن مفادها أن المصريين «شعب متحضر» لأنهم -باختصار- نتاج أعظم حضارة وأقدم دولة -بالمفهوم الحقيقي- عرفها العالم القديم، وهو ما نباهي به الأمم حتى هذه اللحظة، كما لا ننسى ما أثبته عالم المصريات «هنري جيمس بريستيد» في كتابه الماتع «فجر الضمير» عن بزوغ فجر ضمير العالم من مصر.

وقد تشرفت بالإسهام بالكتابة في «بوابة الحضارات» في فترتها الأولى برئاسة تحرير الأستاذ/ أحمد خالد، وكم كنت سعيدًا بهذا الإسهام المتواضع وسط تلك الكوكبة المضيئة من أنجب وأبرز الأقلام المصرية في كافة المجالات.

وبعد أن غادر أحمد خالد منصب رئيس التحرير، تولى بعده المسؤولية الصحفي الكبير الأستاذ/ أبو العباس محمد (الذي رافقته زميلًا عزيزًا بجريدة «الشعب» في التسعينيات)، حيث استمرتِ «البوابة» في أداء دورها المميز، إلى أن فوجئت بتوقفها عن الصدور دون معرفة ملابسات هذا التوقف الذي أوجع قلوب الذين ارتبطوا بالإصدار الإلكتروني الأميز - في رأيي- على الإطلاق خلال العقد المنصرم، لتظل «بوابة الحضارات» حاضرةً في العقول والقلوب رغم الغياب، حتى أنه يصدق فيها قول أمير الشعراء أحمد شوقي: «وإذا نظرت إلى الحياة وجدتها// عُرسًا أقيم على جوانب مأتمِ»!!

nabd.png
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق