في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وتواصل العدوان الإسرائيلي، عادت المفاوضات بين حركة "حماس" وإسرائيل إلى الواجهة، محملة هذه المرة بشروط جديدة ومواقف متباينة، في وقت تتكثف فيه الوساطات وتمارس ضغوط أمريكية مباشرة من أجل التوصل إلى اتفاق.
ورغم الجهود المتسارعة من أطراف إقليمية ودولية، يظل السؤال المركزي قائما، وهل نحن أمام فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار، أم أنها مجرد جولة جديدة من المناورات السياسية في ظل توازنات ميدانية مأزومة.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر تقود تحركا نحو تهدئة شاملة بين حماس وإسرائيل، مستفيدة من الأجواء الإيجابية التي نتجت عن توقف المواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، ما قد يمهد لوقف شامل لإطلاق النار في غزة.
وأضاف الرقب خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن في المقابل، طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرات لتهيئة الأجواء، بينها مطالب بإسقاط ملفات عن نتنياهو والعفو عنه، معتبرا ذلك جزءا من جهود دفع الاتفاق.
وأشار الرقب، إلى أن ترامب أكد سعيه لإنهاء النزاعات، مشيرا إلى أن واشنطن لا تطرح حلا شاملا بل تسعى فقط لـ وقف إطلاق النار، بينما توقع وصول المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة عن جملة من الشروط التي وضعتها حركة "حماس" كإطار لأي صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وجاءت هذه المطالب ضمن ثلاثة محاور رئيسية:
- الحماية السياسية: تطالب الحركة بضمانات تمنع استهداف قياداتها، خاصة أعضاء مكتبها السياسي في الخارج.
- الحماية المالية: ترفض أي إجراءات تمس بأموالها أو تحد من مصادر تمويلها.
- الوجود في غزة: تصر الحركة على أن يكون لها تمثيل في إدارة القطاع والمشاركة في الأجهزة الأمنية المستقبلية.
ترامب يدفع باتجاه هدنة غزة
بتدوينة مثيرة عبر منصته للتواصل الاجتماعي، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسرعة التوصل لاتفاق لوقف الحرب في غزة.
وقال ترامب: "أتموا الصفقة في غزة.. أعيدوا الرهائن".
ولم يوضح ترامب مزيدا من التفاصيل في منشوره، الذي يبدو إنه موجه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمضي قدمًا في اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما سبق أن تنبأ ترامب بإتمامه "خلال أسبوع" في تصريحات سابقة.
التدوينة جاءت غداة مطالبة ترامب بإغلاق الملفات القضائية ضد نتنياهو، مبررًا ذلك بأنه (نتنياهو) "يعمل حاليًا على التفاوض مع حماس لإبرام صفقة تشمل استعادة الرهائن".
ومساء أمس السبت، تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب للمطالبة بأن تعمل الحكومة على إطلاق سراح 49 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة.
وقال منتدى عائلات الرهائن والمفقودين في بيان بمناسبة المظاهرة إن "الحرب مع إيران انتهت باتفاق، ويجب أن تنتهي الحرب في غزة بالطريقة نفسها - باتفاق يعيد الجميع إلى ديارهم".
وفي المقابل، يواصل الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين في غزة، خاصة بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، في مشهد وصفته الأمم المتحدة بأنه استخدام للمساعدات كسلاح لقتل الأبرياء، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق.
موقف مصر والجهود الدبلوماسية
أعربت وزارة الخارجية المصرية عن قلقها العميق إزاء استمرار العدوان، مؤكدة في بيان رسمي ضرورة الإسراع في التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، والسماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية إلى كافة مناطق القطاع.
وخلال اتصال هاتفي جمع وزير الخارجيةالمصري، بدر عبد العاطي، بنظيره الفرنسي جان نويل بارو، استعرض الطرفان الدور المحوري الذي تلعبه مصر، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، من أجل دفع المفاوضات نحو نتائج ملموسة ومستدامة.
كما شدد الوزير عبد العاطي على أهمية تحقيق تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، تستند إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية.
موقف البرلمان العربي والأمم المتحدة
وفي السياق ذاته، عبر البرلمان العربي عن دعمه الكامل للجهود المصرية في دعم الشعب الفلسطيني واستقبال جرحى غزة، منددا بالأوضاع الصحية الكارثية التي يعيشها سكان القطاع المحاصر.
أما الأمم المتحدة، فقد أكدت من جديد عبر مقررها الخاص بالحق في الصحة، تلالنج موفوانج، أن الوضع الإنساني في غزة يتدهور بوتيرة متسارعة، متهمة إسرائيل بتحويل المساعدات إلى أداة قمع وعقاب جماعي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وفي كلمتها أمام الدورة الـ 59 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وصفت موفوانج ما يحدث بأنه "عنف إمبريالي استعماري موجه ضد شعب أعزل"، مشددة على أن لدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأدوات القانونية الكفيلة بوقف هذه الانتهاكات.
مساعدات مشروطة تحت مظلة مثيرة للجدل
وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة موافقتها على تخصيص 30 مليون دولار لدعم نظام توزيع المساعدات في غزة، وذلك من خلال برنامج تشرف عليه شركات متعاقدة أمريكية وبدعم إسرائيلي، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.
ورغم الترحيب المبدئي، إلا أن منظمات إنسانية حذرت من طبيعة هذا البرنامج، الذي ينفذ تحت مظلة مؤسسة "غزة" المثيرة للجدل، لا سيما وأن مواقع التوزيع محدودة وتقع معظمها في جنوب القطاع، حيث تنتشر القوات الإسرائيلية، ما يجعل السكان عرضة للخطر ويحوّل المساعدات الإنسانية إلى أداة عسكرة ومخاطرة بالأرواح.
وفي هذا الإطار، وصف المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة نظام توزيع المساعدات الحالي بأنه "غير إنساني"، مؤكدا أن ما يحدث يفاقم معاناة السكان بدلا من التخفيف منها.
والجدير بالذكر، أنه وسط هذه المعطيات المعقدة، يبقى مستقبل وقف إطلاق النار معلقا بين شروط متبادلة، وواقع ميداني مأساوي، وضغوط دولية تبدو غير كافية لكبح جماح التصعيد. وبينما تتمسك "حماس" بمطالبها.
وتسعى إسرائيل إلى فرض وقائع على الأرض، تستمر الوساطات في محاولة لانتزاع تسوية مؤقتة على الأقل، في انتظار حل دائم يعيد الأمل إلى قطاع أنهكته الحرب والسياسة معا.
0 تعليق