حذّر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في مقال نشرته وحدة البحوث والدراسات، من خطورة تآكل منظومة القيم في المجتمعات العربية والإسلامية، مؤكدًا أن مظاهر الانهيار الأخلاقي باتت تهدد تماسك النسيج المجتمعي واستقراره.
وأوضح المرصد أن تراجع دور الأسرة، وتغوُّل وسائل الإعلام، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي، أسهمت جميعها في نشر سلوكيات دخيلة على الثقافة الأصيلة، مثل الكذب، والنفاق، والعنف اللفظي والجسدي، لافتًا إلى أن ما يزيد الأمر خطورة هو تحوُّل هذه السلوكيات لدى البعض إلى سلوكيات "طبيعية" تُبرَّر تحت مسميات مثل "الواقعية" أو "التأقلم مع العصر"، في دلالة على تراجع الوعي المجتمعي وضعف الضمير الجمعي.
وأكد المرصد أن منظومة القيم لم تكن يومًا ساكنة، بل هي في حالة تطور مستمر تعكس السياق الثقافي والاجتماعي، إلا أن التحولات المعاصرة – مثل العولمة والانفتاح الإعلامي والتغيرات التكنولوجية – قد أربكت المشهد القيمي، وأضعفت من حضور القيم الأصيلة، لصالح قيم مادية وفردية تهدد روح الجماعة والتكافل الاجتماعي.
وبيّن المرصد أن من أبرز أسباب هذا التدهور القيمي: ضعف التربية داخل الأسرة، وغياب القدوة، وتراجع دور المؤسسات التعليمية والدينية، بالإضافة إلى التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل، التي تروّج لأنماط استهلاكية سطحية تتعارض مع القيم المجتمعية الأصيلة.
وفي هذا الإطار، طرح مرصد الأزهر رؤية شاملة تنطلق من استعادة الأسرة لدورها التربوي عبر القدوة الصالحة والحوار البناء، وتطوير المناهج التعليمية بما يعزز البعد القيمي، وتفعيل خطاب ديني معتدل يربط بين الإيمان والسلوك، ويقدّم القيم الإسلامية الكبرى – كالعدل، والرحمة، والأمانة، والانتماء – بوصفها جوهرًا أساسيًّا لبناء الإنسان مؤكدًا أن مواجهة هذا التحدي ليست مسؤولية فردية، بل مهمة جماعية تتطلب تضافر جهود الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية، والإعلام، والمجتمع المدني، لصياغة مشروع وطني قيمي يعزز الوعي الأخلاقي، ويحمي الهوية الحضارية، ويُحصّن المجتمع من مظاهر الانحراف والتطرف.
ويواصل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف جهوده التوعوية والعلمية في رصد الظواهر الاجتماعية وتحليلها، وإنتاج محتوى تربوي هادف يوجّه الشباب نحو القيم الإنسانية والإسلامية الجامعة، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن إصلاح القيم هو السبيل الأنجح لبناء مجتمع متماسك وآمن يرتكز على الأخلاق والوعي.
0 تعليق