إبراهيم شعبان يكتب: هل يُشعل ترامب حربًا أهلية في أمريكا - اعرف كورة

صدى البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

السؤال الذي يشغل العالم اليوم بعد أيام من الاحتجاجات العنيفة ضد ترامب، وإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، عمّا إذا كانت هذه الاحتجاجات قد تتحول إلى حرب أهلية أمريكية، خصوصًا بعد امتدادها - وفق الـCNN - لنحو 12 ولاية أمريكية وعشرات المدن، في مقدمتها لوس أنجلوس، وكاليفورنيا، ونيويورك، وشيكاغو، وتكساس، وسان فرانسيسكو، ودينفر، وسانتا آنا، ولاس فيغاس، وأتلانتا، وفيلادلفيا، وميلووكي، وسياتل، وواشنطن العاصمة، إلى جانب مناطق أخرى.

والرد: أن هذا ليس مستبعدًا؟

وقد قلتها منذ عدة أسابيع في هذا المكان: إن الأفكار الظلامية والهيستيريا التي تملأ عقل ترامب ستدفع بالولايات المتحدة للسقوط، فالرسوم الجمركية التي اخترعها وفي ذهنه أنها ستكون أكثر الطرق لتعزيز الصناعات الأمريكية وتقليل الواردات واعتدال الميزان التجاري مع الصين وأوروبا، سيدفع ثمنها الاقتصاد الأمريكي، والذي قد يدخل بالفعل - وفق تقارير للاحتياطي الفيدرالي - في دوامة الركود والتضخم.

هذه الاحتجاجات التي اندلعت في الولايات المتحدة ضد سياسة التهجير العنصري، يقف وراءها ملايين المهاجرين الذين يتوهم ترامب أنه بقرار فردي متعسف منه يمكن طرد كل هؤلاء وترحيلهم لبلدانهم، مع أنه كان بإمكانه - وطالما أنهم موجودون بالفعل على الأراضي الأمريكية - الاستفادة منهم وتقنين أوضاعهم، علاوة على أن الأفكار السوداء التي تملأ عقل ترامب تحوله لحاكم أفريقي ديكتاتور ومستبد، وفق الاتهامات التي وجهها له حاكم كاليفورنيا علانية، وتتعارض تمامًا مع القيم الحضارية والحريات المصانة بالدستور وفق القانون الأمريكي.

ترامب، للأسف، يعارض قوانين الحياة في أمريكا ويهدم جدران ديمقراطية حقيقية تخطت الـ200 عام، والدستور الأمريكي هو أحد أعظم الدساتير على الأرض.

وبالعودة للاحتجاجات في الولايات الأمريكية، فإنني أتوقع اشتدادها، وأن تخرج موجة وراء أخرى كلما اتخذت إدارة ترامب قرارات تطال حياة ملايين هؤلاء المهاجرين الموجودين على الأراضي الأمريكية، هؤلاء يعلمون جيدًا أن ترامب مجرد حاكم أمريكي لنحو 4 سنوات لا أكثر، وسيخرج من البيت الأبيض، لكنه لا يملك أمريكا، وأنهم بإمكانهم الوقوف أمام قرارات إدارته السوداء والتصدي لها حتى تنتهي فترة ولايته.

الخطورة في المظاهرات الأمريكية هذه المرة، أنها ليست مظاهرات عنصرية بين البيض والسود، كما كانت تحدث من قبل في بعض الولايات الأمريكية وبسبب حوادث فردية لبعض ضباط الشرطة الأمريكان أو غيرهم، ولكنها مظاهرات دفاعًا عن الحياة، وعن وظائف، وأماكن، وموطن لملايين المهاجرين وعائلاتهم منذ سنوات.

ترامب، الذي حوّل المعركة إلى صراع جمهوري – ديمقراطي مع حكام بعض الولايات مثل حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، يحاول أن يداري عار التسبب في القلاقل الأمنية والصدامات والمظاهرات وسط المواطنين الأمريكيين بهذا الشكل، زاعمًا أن القوات الفيدرالية منعت حدوث كارثة في كاليفورنيا ولوس أنجلوس، وحررتها من الاحتلال أو الحصار بحسب مزاعمه.

وجاء ذلك بعد خطاب ناري ألقاه نيوسوم، حاكم كاليفورنيا، اتهم فيه ترامب بـ"تدمير الديمقراطية" ووضع البلاد على "حافة الاستبداد" بسبب قراراته العسكرية في لوس أنجلوس.

ترامب يلعب في قضية المهاجرين بخطاب غير معروف في الغرب وداخل الولايات المتحدة الأمريكية، يقوم على نظرية القتلة والتمويلات المريبة والجهات التي تقف وراء المظاهرات، ولا أحد يعلم: هل هناك دولٌ فعلاً تقوم بتمويل مظاهرات في الولايات الأمريكية؟ ومنذ متى حدث هذا، خصوصًا وإنه لم يُسمع به أحد من قبل؟؟!

فهذا الخطاب، الذي يتناسب مع بعض جمهوريات الموز الأفريقية والتي تقوم على الانقلابات والتمرد وتئن تحت التخلف، خطاب غريب على العقلية الأمريكية. فما يحدث في الولايات المتحدة باختصار شديد: قرارات غبية لإدارة متعجرفة ورئيس متهور لا يعرف فعلاً معنى القيم والديمقراطية الأمريكية، بالرغم من أنه مواطن أمريكي، ويحكم بـ"العافية"، ويحاول تطبيق قرارات فوقية لا تستند إلى أي دراسات أو خطط حقيقية أو عملية تحت شعار انتخابي زائف وشعبوي هو: "أمريكا أولًا".

وعليه، فأنا أتوقع مزيدًا من الاحتجاجات في الشارع الأمريكي ضد سياسات ترامب، وضد أوهام ترامب، وسيكون هو القشة التي تقصم ظهر الإمبراطورية الأمريكية.

مأساة حاكم البيت الأبيض أنه يريد أن يحكم أمريكا بأجندة استبدادية متخلفة، وأوهام، وصراعات، وعداوات، وحروب ليست موجودة سوى في عقله بين ملايين الأمريكيين، سواء كانوا مناصرين للحزب الجمهوري أو آخرين مناصرين للحزب الديمقراطي. وهو حتمًا سيفشل، وسيأخذ بالولايات المتحدة إلى الهاوية والانزلاق لمواجهات واحتجاجات وربيع دموي.

على العقلاء في إدارة ترامب - إن كان فيها عقلاء - مراجعة هذه القرارات، والاعتراف بخطأ التفكير في طرد ما لا يقل عن 11 مليون مهاجر غير شرعي، لن يخرجوا من الولايات المتحدة وهم مبتسمون كما يتصور "الدوتش الفاشست" ترامب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق