شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا دراميًا في واحدة من أكثر القضايا العائلية غموضًا في الأوساط الثرية بمصر، والمتعلقة بأسرة الدكتورة نوال الدجوي، رئيس مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم والفنون. بدأت الأزمة باتهامات متبادلة بسرقة ثروة طائلة، وتخللتها طعون بالتزوير على عقود بيع قصور بمليارات الجنيهات، لتصل ذروتها بوفاة غامضة لحفيد الدكتورة نوال، أحمد شريف الدجوي، في ظروف مثيرة للجدل.
بداية الأزمة.. اتهامات بالسرقة المليارية
اندلعت الشرارة الأولى للصراع حين تقدمت اثنتان من حفيدات الدكتورة نوال، وهما إنجي وماهيتاب منصور (ابنتا الراحلة منى الدجوي)، ببلاغ يتهمان فيه ابن عمهما، عمرو شريف الدجوي، بسرقة محتويات خزائن فيلا الدكتورة نوال بمدينة 6 أكتوبر.
وتضمنت المسروقات المزعومة ما يقرب من 15 كيلو ذهب، و50 مليون جنيه مصري، و3 ملايين دولار، و350 ألف جنيه إسترليني، بالإضافة إلى عملات أجنبية أخرى.
المفاجأة كانت في بلاغ مضاد تقدم به عمرو شريف نفسه، يتهم فيه الحفيدتين بأنهما وراء السرقة، وأن بلاغهما مجرد محاولة لصرف الأنظار عن الجريمة الحقيقية. النيابة العامة استمعت لأقواله وتم صرفه بعد التحقيقات الأولية.
طعون بالتزوير وبيع قصور بأسعار بخسة
لم تقتصر الأزمة على اتهامات السرقة، بل اتسعت لتشمل وقائع أشد تعقيدًا. فقد طعن كل من أحمد، وعمرو، ومحمد شريف الدجوي – أحفاد الدكتورة نوال من الأبناء الذكور – بالتزوير على عقود بيع 6 قصور مملوكة لجدتهم.
وأشار دفاعهم إلى أن هذه القصور، الواقعة في مناطق راقية مثل الزمالك والدقي، تم تحرير عقود بيعها في يوم واحد (4 سبتمبر 2024) مقابل مبلغ لا يتجاوز 50 مليون جنيه، بينما تتجاوز قيمتها السوقية 2 مليار جنيه.
الأكثر إثارة للشكوك هو أن العقود حملت بصمة الدكتورة نوال فقط، رغم أنها لا تستخدم البصمة في تعاملاتها القانونية بل التوقيع، مما يعزز شبهات التلاعب.
وقد أظهر بلاغ لاحق من المحامي محمد عبدالباسط فؤاد، وكيلًا عن عمرو شريف الدجوي، أن بعض العقارات بيعت بأسعار تقل كثيرًا عن قيمتها الحقيقية بشكل صادم:
عقار 88 شارع النيل: بيع بـ5 ملايين جنيه وقيمته 25 مليونًا.
عقار شارع عامر بالدقي: بيع بـ9 ملايين جنيه وقيمته 32 مليون دولار.
عقار بشارع عزيز أباظة بالزمالك: بيع بـ11 مليون جنيه وقيمته 60 مليون دولار.
فيديو حقائب الأموال ودخول "الدمنشيا" على الخط
في خضم تلك النزاعات، ظهر مقطع فيديو تم تداوله، يظهر فيه أشخاص يغادرون فيلا الدكتورة نوال حاملين حقائب ضخمة. وأكد دفاع الأحفاد الذكور أن هؤلاء الأشخاص يتبعون الحفيدتين (إنجي وماهيتاب)، وأنهم استولوا على محتويات الخزائن. النيابة العامة تحفظت على الفيديو وأرسلته للفحص لتحديد هوية الأشخاص ومحتويات الحقائب.
تزامنًا مع هذه التطورات، كشف المحامي محمد حمودة، محامي أسرة الراحل أحمد الدجوي، عن أن الدكتورة نوال الدجوي تعاني من مرض الدمنشيا في مرحلة متقدمة، وأنها تعرضت للخطف.
هذا الأمر أثار تساؤلات حول أهليتها القانونية للتصرف في ممتلكاتها، رغم أن تقريرًا طبيًا صادرًا بتاريخ 4 ديسمبر 2024 كان قد أكد أن الدكتورة نوال، البالغة من العمر أكثر من 80 عامًا، لا تعاني من أي اضطرابات عقلية تعيقها عن إدارة شؤونها المالية أو حياتها اليومية، وأن أي قصور في الذاكرة يتناسب مع مرحلتها العمرية ولا يؤثر على قدرتها في الحكم على الأمور.
وفاة أحمد الدجوي.. لغز جديد يُضاف للقضية
في الوقت الذي كانت فيه القضية تأخذ مسارها القانوني، فُجعت العائلة بخبر وفاة أحمد شريف الدجوي، أحد أطراف النزاع الرئيسيين، حيث تم العثور عليه داخل شقته بمحافظة الجيزة مصابًا بطلق ناري في 25 مايو 2025.
التحقيقات الأولية لم تستبعد وجود شبهة جنائية، فيما لم تُحسم بعد فرضية الانتحار. المعاينة الأولية أظهرت وجود إصابة مباشرة بالسلاح دون كسر أبواب أو نوافذ.
رجحت التحريات الأولية أن أحمد أقدم على إطلاق النار على نفسه بسلاح ناري مرخص، عقب عودته من رحلة علاج نفسي خارج البلاد، حيث كان يعاني من اضطرابات نفسية. النيابة العامة بجنوب الجيزة أمرت بجمع وتفريغ تسجيلات كاميرات المراقبة داخل وخارج منزل أحمد، وسماع أقوال أفراد الأسرة وشهود العيان.
وقد نفى المحامي محمد شحاتة، الممثل القانوني للدكتورة نوال وحفيداتها، وجود أي بلاغ يتهم بنات الدكتورة منى الدجوي بقتل الراحل أحمد شريف الدجوي، مؤكدًا أن الخبر كاذب.
تسوية عائلية وحفظ التحقيقات في قضية السرقة
في تطور حاسم، أعلنت النيابة العامة في وقت لاحق عن حفظ التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"سرقة أموال الدكتورة نوال الدجوي". جاء ذلك بعد أن بادرت الشاكية، الدكتورة نوال الدجوي، بالتنازل عن شكواها رسميًا، مؤكدة عدم رغبتها في توجيه أي اتهام لأحد من أفراد أسرتها، وعلى رأسهم أحفادها، حرصًا منها على تماسك العائلة ودعم جهود الصلح.
التحقيقات التي أجرتها النيابة لم تسفر عن ثبوت ارتكاب أي من أحمد شريف الدجوي وعمرو شريف الدجوي لتلك الجريمة، كما لم تتوفر أدلة أو قرائن كافية تشير إلى ضلوعهما في الواقعة، وهو ما جاء متسقًا مع رغبة الشاكية. وبناءً على ذلك، أصدرت النيابة العامة قرارًا بحفظ التحقيقات، في ضوء التنازل الرسمي، وعدم وجود شبهة جنائية ثابتة بالأوراق.
ختام مفتوح.. الصراع مستمر
رغم حفظ ملف السرقة وتبرئة الأحفاد، فإن النزاع على الميراث والاتهامات بالتزوير وبيع الأملاك لا يزال مفتوحًا، وسط محاولات لإيجاد تسوية شاملة تُنهي واحدة من أعقد النزاعات العائلية في تاريخ العائلات الثرية بمصر.
0 تعليق