التراحم وأضرار الوصم الاجتماعي موضوع خطبة الجمعة القادمة - اعرف كورة

صدى البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة ٢٣ مايو ٢٠٢٥م، الموافق ٢٥ من ذي القعدة ١٤٤٦هـ، بعنوان: "فتراحموا".

وقالت وزارة الأوقاف، إن الهدف المنشود من خطبة الجمعة، المراد توصيله للجمهور هو: (التوعية بقيمة التراحم بين الزوجين وفضلها، والتحذير من مخاطر وآثار العنف الأسري على الفرد والأسرة والمجتمع).

وأوضحت وزارة الأوقاف، أن موضوع خطبة الجمعة الثانية بعنوان "أضرار الوصم الاجتماعي" منوهة أن الهدف المراد توصيله: بيان أضرار الوصم الاجتماعي للمرض النفسي، وللمتعافي من الإدمان، وللسجين المفرج عنه، وأهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة.

الخطبة الأولى

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن الأسرة نواة المجتمع، وركن من أركان استقراره وبنائه، وقد أمر الله تعالى بأن تُبنى الأسرة على السكينة والمودة والرحمة، فقال: ﴿وَمِنْ آيَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

العنف الأسري: هو أي سلوك مسيء أو عنيف يحدث داخل نطاق الأسرة، ويُمارس من أحد أفرادها ضد فرد آخر، سواء كان العنف جسديًّا، أو نفسيًّا، أو لفظيًّا، أو جنسيًّا، مثل الإهانة، والتهديد، والتحقير، أو العزل عن الآخرين، أو السب والشتم والصراخ المستمر، أو ضرب الزوجة وشتمها، وتعنيف الأبناء نفسيًّا أو بدنيًّا، وإهمال حاجاتهم العاطفية والتربوية، أو التحكم والسيطرة القهرية باسم القوامة.

وهو يؤدي إلى القلق، والاكتئاب، وضعف الثقة بالنفس، أو تدهور الصحة الجسدية بسبب التوتر المستمر، وإلى زيادة معدلات الجريمة في المجتمع، وإلى تفكك الأسرة، وتفكك الأواصر، وانتشار الكراهية والبغضاء، وتنشئة جيل معقد نفسياً، يحمل في طياته بذور العنف والانحراف، كما أنه يضعف الوازع الديني والأخلاقي، ويفتح الباب أمام الكثير من المشكلات الاجتماعية.

إن العنف الأسري جريمة أخلاقية، ومعصية شرعية، وسلوك مدمر للنفس والأسرة والمجتمع؛ فمن ضرب زوجته أو أهانها أو سبّها، فليعلم أنه ليس من أخلاق الرجولة، ولا من سنة سيد المرسلين، ومن عنّف أبناءه حتى كسرهم أو أرعبهم، فقد خالف هدي الرحمة، وأفسد نفوسًا غضة ستكبر على الألم والخوف.
 

فلا ترفع يدك على زوجتك أو ولدك، فالكلمة أقوى من العصا، واجعل بيتك واحةَ سكينة، لا ساحةَ حرب، وراجع نفسك قبل أن تزرع الألم في من حولك.

إن العنف الأسري ليس مجرد سلوك فردي خاطئ، بل هو جريمة لها آثارها المدمرة على الأسرة والمجتمع، ويدمر نفسية الطفل ويجعله يندفع نحو إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، ثم الانحراف نفسيًّا ومن ثم التطرف نحو الإرهاب أو الإلحاد.

* المعنى الصحيح: الرجال قوامون على النساء:
* قال الله تعالى:﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]
قال الإمام الطاهر بن عاشور: «وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي». [التحرير والتنوير (5/ 38)]

وقال العلامة البوطي ما خلاصته: «القوامة على الأسرة في نظام الإسلام وشرعه، قوامة رعاية وإدارة وليست قوامة هيمنة وتسلّط.. ثم إنها ليست عنواناً على أفضليةٍ ذاتيةٍ عند الله عزّ وجلّ، يتميز بها الأمير أو المدير، وإنما ينبغي أن تكون عنواناً على كفاءة يتمتع بها القائم بأعباء هذه المسؤولية». [المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني].

القوامة ليست تسلّطًا، بل مسؤولية ورحمة، وقد قال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي].
ولم يكن ﷺ يضرب بيده أحدًا، لا زوجة ولا خادمًا، بل كان إذا غضب سكت، وإذا ضاق صدره خرج، وإذا وعظ رقّت كلماته.

* الرحمة والحنان أساس الأسرة:
* قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران:159].
* وقال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
* وقال الله تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [النساء: 19].
إن الحُب أصل الحياة الروحية وسعادة الإنسان، قال النَّبِيَّ ﷺ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ»، [رواه أحمد]، 
وقال ﷺ: «لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ». [رواه أبو داود والترمذي].
وروى الترمذي والحاكم وصححاه، عن عائشة J قالت: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وأَلطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ».
وروى ابن حبان في «صحيحه» عن عائشة، عن النبي ﷺ: أنَّهُ قال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْليْ».  وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ للنِّسَاءِ».
وعن ثوبان I: أن النبي ﷺ قال: «أَفْضَلُ الدَّنَانِيْرِ دِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى عِيَالِهِ، ودِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى دَابَّتِهِ، ودِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيْلِ الله». [رواه مسلم]
وقال ﷺ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ». [رواه مسلم].
وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ». [رواه أبو داود].
* سيرة سيدنا النبي ﷺ في حسن التعامل مع الأسرة:
لقد وضع لنا القاعدة في ذلك فقال ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْليْ». [رواه ابن حبان]
فكان يعين أهله في البيت؛ سئلت السيدة عائشة J: «ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟»، فقالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَة». [رواه البخاري].
وقالت السيدة عائشة J: «ما ضرب رسول الله ﷺ شيئًا قط بيده، لا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله» [رواه مسلم].
وكان عليه الصلاة والسلام يسابق زوجته ويداعبها: قالت عائشة J: «سابقني رسول الله ﷺ فسبقته، ثم سابقني بعد أن حملت اللحم فسبقني، فقال: هذه بتلك» [رواه أبو داود].
ولنتأمَّل حاله ﷺ حينما: «اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيه ﷺ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ أَلا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَجَعَلَ ﷺ يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ ﷺ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنْ الرجُلِ؟، قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى النبي ﷺ فَوَجَدَهُمَا قَدْ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلانِي في سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي في حَرْبِكُمَا فَقَالَ النبي ﷺ: قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا». [رواه أبو داود].
وعن أنس I قال: «كانت صفية مع رسول الله في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله ﷺ وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله  ﷺ يمسح بيديه عينيها ويسكتها» [رواه النسائي في السنن الكبرى].
وكان ﷺ «يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ».[رواه البخاري].
وكان النبي ﷺ يقبل بنته السيدة فاطمة، وكذا كان أبو بكر يقبل بنته السيدة عائشة.
* إجراءات عملية لزيادة مساحة الترابط والألفة داخل الأسرة:
1- الاجتماع على الطعام: فالاجتماعُ على المائدةِ، والأكلُ من إناءٍ واحدٍ، مظهرٌ من مظاهرِ الترابطِ الأُسَريِّ، وفيه فرصةُ تبسُّطِ الوالدِ مع أولادِهِ، والاقترابِ منهم، وتبسُّطِ الزوجِ مع زوجتِهِ، والتوددِ إليها. قال ﷺ «اجْتَمِعُوا على طَعامِكُم، واذكُرُوا اسمَ الله عليه، يُبارَك لكم فيه». [رواه أبو داود]. 
2- التشاور والنقاش: قال الله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187].
كان النبي ﷺ يستشير أزواجه، فنتذكر جميعا استشارته لـخديجة J في أمر الوحي، ووقوفها معه، وشدها من أَزره، هكذا المرأة فإنها معينة لزوجها إذا أشعرها زوجها بقيمتها، فالعلاقة بين الزوجين تنمو كلما تجددت ودار النقاش والحوار بينهما. وفي صلح الحديبية استشار أم سلمة فقالت له: «اخرُجْ ولا تُكلِّمَنَّ أحدًا منهم كلمةً حتَّى تنحَرَ بُدنَكَ وتدعوَ حالقَك فقام النَّبيُّ ﷺ فخرَج ولم يُكلِّمْ أحدًا منهم حتَّى نحَر بُدْنَه ثمَّ دعا حالقَه فحلَقه فلمَّا رأى ذلك النَّاسُ جعَل بعضُهم يحلِقُ بعضًا حتَّى كاد بعضُهم يقتُلُ بعضًا». [مسند أحمد]. فكانت مشورة أم المؤمنين أم سلمة فيها الحل لما أهم النبي ﷺ.
3- الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة: قال ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» [رواه أحمد في مسنده].
4- التحلي بالرفق والحلم وتجنب الغضب: قال ﷺ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ». [رواه أحمد]
* قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت: 35].
وقد حذر النبي ﷺ من تسرب البغضاء بين الزوجين، فقد قال ﷺ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» [رواه مسلم]. ومعنى لا يفرك: لا يبغض.
فالشيطان ينزغ بين الزوجين ويفرح إن تفككت الأسرة؛ فعن جابر I قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». [رواه مسلم].
* سألَ رجلٌ زوجتَهُ هل تُبغضينني؟ فأجابتْ: نعمْ أُبغِضُك. فانطلقَ الرجلُ بها إلى عمرَ بنِ الخطابِ يشكو إليه،  فقالتْ المرأةُ لعمرَ: إنه استحلفني فكرهتُ أنْ أكذبَ، فقالَ عمرُ: بلى فلتكذبْ إحداكنَّ ولتُجَمِّلْ، فليسَ كلُّ البيوتِ تُبنىٰ علىٰ الحُبِّ، ولكنْ معاشرةٌ على الأحسابِ والإسلامِ. [كنز العمال].
5- الكلمة الطيبة والملاطفة: فالكلمة الطيبة في الأسرة هي مفتاح لقلوب أفرادها، وهي أحد أعظم أسباب الاستقرار والسعادة، سواء بين الزوجين أو بين الوالدين والأبناء. 
أما بين الزوجين؛ فامدح زوجتك/زوجك أمام الأبناء وأثناء الحديث، واستخدم عبارات الشكر والثناء (شكرا/ كتر خيرك/ سلمت يداك)، شكر الزوجة ومدحها فقد كان ﷺ يقول عن السيدة خديجة J: «آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ». [رواه أحمد].
وكذلك النداء بأحب الأسماء والأوصاف؛ فقد كان ينادي السيدة عائشة J بـ «عائش»، وهو تصغير يدل على الحنان والمودة. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ «، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ». [متفق عليه]
وكذلك التعبير عن الحب صراحةً فقد سئل ﷺ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ».[متفق عليه]
وأما بين الأبناء والأحفاد: فقد كان الحسن والحسين يصعدان على ظهره وهو ساجد، فلم يزجرهما، بل مدحهم وأكرمهم بالكلام واللمس. وكان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» [رواه البخاري] وكان يأخذ بيد سيدنا الحسن أو الحسين ويقول: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». [رواه البخاري]

الخطبة الثانية: أضرار الوصم الاجتماعي

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
* ما هو الوصم الاجتماعي؟
هو أن يُعيّر الإنسان بخطأ سابق، أو مرض أصابه، أو فقر ألمّ به، أو نسبه، أو حتى مظهره، فيُصبح منبوذًا، محاصرًا، محتقرًا؛ لا لشيء، إلا لأن الناس نسوا الرحمة، وتقمّصوا دور القضاء والحساب؛ فكم من تائب صدّه الناس عن طريق الهداية بسبب ماضيه! وكم من مظلوم حوّله المجتمع إلى مذنب! وكم من فتاة أُغلِق في وجهها باب الزواج لأنها «مطلقة»! وكم من مريض نفسي شُفي فبقيت الناس تناديه بـ»المجنون»! وكم من فقير أو عامل بسيط يُسخر منه في المجالس وكأن الكرامة مرهونة بالمال!
* موقف الإسلام من الوصم الاجتماعي:
قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 128، 129].
فديننا يأمرنا أن ننظر للناس بعين الستر والرحمة، لا بعين التشهير والحُكم، والله وحده هو الحسيب، وهو العليم بمن يستحق الكرامة أو العقوبة. قال رسول الله ﷺ: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم].
وقال النبي ﷺ قال: «ربّ أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره» [رواه مسلم].
ورجل شرب الخمر وأُقيم عليه الحد، فلعنه بعض الصحابة، فقال ﷺ: «لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله». [رواه البخاري].
وقال في خطبة الوداع: «ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض»، وأوصى بالنساء والضعفاء خيرًا.
ولم يكن ﷺ يذكّر أحدًا بماضيه، بل يحتضن التائب، ويكرّم الضعيف، ويواسي المهموم.
وقال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيَكَ». [شعب الإيمان].
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَرَّ رَجُلٌ مُصَابٌ عَلَى نِسْوَةٍ، فَتَضَاحَكْنَ بِهِ يَسْخَرْنَ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُنَّ)، [الأدب المفرد].
وعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». [متفق عليه].
وعن أبي هريرة I قال: «أُتِيَ النبيُّ ﷺ بسَكْرَانَ، فأمَرَ بضَرْبِهِ. فَمِنَّا مَن يَضْرِبُهُ بيَدِهِ ومِنَّا مَن يَضْرِبُهُ بنَعْلِهِ ومِنَّا مَن يَضْرِبُهُ بثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: ما له أخْزَاهُ اللَّهُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ». [صحيح البخاري].
وقد بين الرسول ﷺ حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثيلية رائعة، فعَنِ النُّعْمَانِ ابْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمى». [رواه مسلم].
فلا تكن سببًا في تعاسة أحد، ولا تقتل أمل تائب بنظرة احتقار، ولا تطرد من أبواب الخير من جاء يطرقه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق