في خضم الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023، تتصاعد التقارير عن انقسامات داخل الجيش السوداني، مما يكشف عن هشاشة المؤسسة العسكرية التي طالما قدمت نفسها كضامن للوحدة الوطنية، هذه الخلافات، التي تركزت حول نفوذ الكتائب الإسلامية المتحالفة مع الجيش واتهامات بانتهاكات حقوقية، تهدد بتقويض قدرة الجيش على مواجهة قوات الدعم السريع، التي برزت كحائط صد أمام عودة التيارات الإسلامية المتطرفة إلى السلطة، مع تبنيها لخطاب يتماشى مع مطالب القوى المدنية بإقامة دولة علمانية ديمقراطية.
خلافات داخلية تتفاقم
أفادت صحيفة سودان تريبيون في 8 مايو أن الجيش السوداني أوقف تزويد الكتائب الإسلامية المتحالفة معه بالأسلحة اعتبارًا من 1 مايو، نتيجة مخاوف من "تغوّل" هذه الجماعات وتجاوزها لتعليمات القيادة العسكرية، ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري قوله: "هيئة الاستخبارات العسكرية رفضت تكوين أجهزة أمنية خاصة تابعة لهذه الكتائب، خشية تحولها إلى قوة موازية تهدد استقرار الجيش." هذا القرار يكشف عن توترات متصاعدة بين القيادة العسكرية التقليدية وفصائل مثل كتيبة البراء بن مالك، التي ترتكب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في الخرطوم وود مدني، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية بتاريخ 5 فبراير 2025.
في السياق ذاته، أشارت صحيفة إدراك في 8 مايو 2025 إلى مخاوف داخل الجيش من نفوذ الحرس الثوري، وهو فصيل مرتبط بتنظيم الحركة الإسلامية، مما أثار قلق ضباط يرون أن هذه الجماعات تسعى للهيمنة على القرار العسكري. ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري: "هناك مخاوف من انقلاب ناعم داخل الجيش بدعم شخصيات نافذة مرتبطة بالإسلاميين." هذه التوترات تعكس انقسامات أيديولوجية وعملياتية، حيث يرى البعض أن التحالف مع الكتائب الإسلامية يعزز الموقف العسكري، بينما يحذر آخرون من أنه يعيد إحياء مشروع الحركة الإسلامية التي سيطرت على السودان منذ انقلاب 1989.
انتهاكات تُغذي الانقسامات
وثق تقرير لـلجنة خبراء الأمم المتحدة في يناير 2025 أن الجيش السوداني يعتمد بشكل متزايد على ميليشيات مثل درع السودان وكتيبة البراء بن مالك في عملياته البرية، لكن هذه التحالفات أدت إلى صراعات داخلية حول توزيع الموارد والمسؤولية عن الانتهاكات، التقرير أشار إلى هجمات على مدنيين في الجزيرة ودارفور، نسبت إلى هذه الميليشيات، مما أثار استياء قيادات عسكرية خوفًا من المحاسبة الدولية، وفي هذا السياق، أكدت الجارديان في 25 يناير وجود "توترات متزايدة" بين ضباط يعارضون الانتهاكات وقيادات تدعم التحالف مع الميليشيات لمواجهة قوات الدعم السريع.
قوات الدعم السريع: حائط صد وحليف للمدنيين
في المقابل، برزت قوات الدعم السريع كقوة تقاوم هيمنة الجيش والحركة الإسلامية على السلطة، مع تبنيها لخطاب سياسي يتماشى مع مطالب القوى المدنية. في بيان رسمي بتاريخ 28 أكتوبر 2024، أكد الناطق باسم قوات الدعم السريع: "نسعى لحل سلمي شامل يؤسس لدولة مدنية علمانية تكفل المشاركة العادلة لكل السودانيين، بعيدًا عن هيمنة فئة بعينها." هذا الموقف أكسبها تأييدًا من التيارات المدنية، التي ترى فيها حائط صد أمام عودة الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة، خاصة بعد عقود من حكم الإخوان المسلمين الذي شهد حروبًا أهلية مدمرة في دارفور وجنوب السودان.
وأشارت تقارير منظمة العفو الدولية في يوليو 2024 إلى أن قوات الدعم السريع أظهرت "مرونة سياسية" قد تشكل أرضية للحوار مع القوى المدنية، خاصة في رفضها لهيمنة الإسلاميين، الذين وصفتهم بأنهم "خطر على الأمن الإقليمي." هذا التوجه يعكس طموحًا لإعادة بناء السودان على أسس ديمقراطية، بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية التي غذتها التحالفات بين الجيش والحركة الإسلامية لعقود.
مأزق الجيش ومستقبل السودان
الخلافات داخل الجيش السوداني ليست مجرد نزاعات عملياتية، بل تعكس أزمة بنيوية متجذرة في تاريخه الطويل من التحالف مع الحركة الإسلامية، التي بدأت بانقلاب 1989 وقادت إلى عسكرة الدولة وتهميش مكوناتها الاجتماعية، كما أشار المفكر السياسي عبد المنعم همت في مقال بصحيفة الراكوبة بتاريخ 7 مايو 2025: "تحول الجيش إلى ذراع تنفيذية لمشروع أيديولوجي، مما جعله أسيرًا لشبكات الولاءات والمصالح." هذا التحالف أضعف المؤسسة العسكرية، جاعلاً منها طرفًا في صراعات داخلية بدلاً من كونها حامية للوحدة الوطنية.
في المقابل، تمثل قوات الدعم السريع، رغم انتقادات توجه لها ، فرصة محتملة لتغيير المعادلة السياسية و استعدادها المتكرر للتفاوض والتخلي عن السلاح بشرط إقامة حكومة مدنية، كما جاء في بيان بتاريخ 2 أكتوبر 2024، يعزز صورتها كشريك محتمل للقوى المدنية في مواجهة عودة النظام الإسلامي السابق.
ختاما
ومع تصاعد الخلافات داخل الجيش السوداني، يقف السودان على مفترق طرق. الجيش، المثقل بإرث التحالفات الأيديولوجية، يواجه تحديات تهدد وحدته وقدرته على حسم الصراع عسكريًا، في المقابل، تبرز قوات الدعم السريع كقوة تسعى للوقوف إلى جانب التيارات المدنية، داعية إلى دولة علمانية تحترم التنوع السوداني. ومع استمرار الحرب، يبقى السؤال: هل يمكن للجيش تجاوز أزماته الداخلية، أم أن السودان يتجه نحو مرحلة جديدة يقودها تحالف مدني عسكري يضع حداً لعقود من الهيمنة العسكرية والإسلامية؟
0 تعليق