أكد الدكتور عبد الراضي عبد المحسن، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سابقا، أن العقل والنقل لا يمكن أن يتعارضا أبدًا، مشيرًا إلى أن كل نص صحيح في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله ﷺ لا يتصادم قط مع أي دليل عقلي صريح في دلالته.
وأوضح عبد المحسن، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن ما يُظن أحيانًا أنه تعارض بين العقل والنقل، سببه إما أن النص غير صحيح – كأن يكون حديثًا ضعيفًا أو موضوعًا – أو أن ما يُظن أنه دليل عقلي هو في حقيقته مجرد شبهة فكرية لا ترقى إلى مرتبة الدليل، مؤكداً أنه لم يأتِ أحد بدليل عقلي صريح يتفق عليه العقلاء ويتصادم مع آية من كتاب الله أو حديث صحيح.
وقال: "نطلق على الكتاب والسنة أدلة نقلية من حيث المصدر، لكنها أدلة عقلية في دلالتها، والقرآن الكريم في تناوله للقضايا الإيمانية، حتى الغيبية منها، لم يترك الاستدلال العقلي أبدًا، بل سلك منهج الإقناع العقلي في كل موضع"، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ).
وأوضح أن الآية الكريمة تُعد نموذجًا فريدًا لما يُعرف في علم المنطق بـ"قياس الأولى"، حيث يُبيّن القرآن أن الخلق من العدم أصعب من الإعادة، ومن ثم فإن من خلق أول مرة قادر بالتأكيد على الإعادة، وهو رد عقلي محكم على شبهة منكري البعث.
ولتبسيط هذا المفهوم، ضرب مثالًا بالصناعات الحديثة قائلاً: "التلفاز احتاج إلى عقود من التجريب والابتكار ليُخترع أول مرة، لكن إصلاحه عند عطله لا يحتاج إلا إلى فني بسيط؛ لأن صورة التلفاز أصبحت حاضرة في الذهن، وقطع الغيار والمواد الخام متوفرة، وهذا عين ما عبّر عنه القرآن في مسألة إعادة الخلق".
وأكد أن القرآن الكريم لا يخاطب العقول بالسطحية أو بالعاطفة فقط، بل يُقيم الحجج المنطقية العقلية حتى في أعقد القضايا، ومنها البعث والنشور، متابعا: "القرآن يدفعك للتفكر، ويطالبك بالنظر في الخلق والكون والمنطق العقلي، لا بالتسليم الأعمى، وهذا وجه من وجوه إعجازه".
وأردف أن المنهج الإسلامي بنى إيمانه على تكامل العقل والنقل لا على تصادمهما، مضيفًا: "من يفصل العقل عن النص أو يضعهما في صراع، لم يفهم حقيقة الدين، ولم يدرك كيف خاطب الله الإنسان بالعقل والروح معًا".
0 تعليق