رسالة الأنبياء مستمرة.. سلامة داود: الأزهر حامل لواء الإصلاح في العالم - اعرف كورة

صدى البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن صناعة المصلحين صناعةٌ من طراز فريد، وهي صناعة غير مألوفة تعني بإصلاح الرجال حملة مشكاة النبوة، والإصلاح هو رسالة الأنبياء. 

جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الأول الذي تنظمه كلية العلوم الإسلامية للوافدين تحت عنوان: «الأزهر وصناعة المصلحين» برئاسة الدكتورة نهلة الصعيدي، عميدة الكلية رئيس المؤتمر. 

وأشاد رئيس الجامعة، باختيار الكلية لعنوان مؤتمرها الأول الذي يعقد برعاية الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، تحت عنوان: «الأزهر وصناعة المصلحين»، فكأنما وضع العنوان يده على قلب الأزهر النابض، واختصر رسالته السامية النبيلة في كلمتين: «صناعة المصلحين»، وهي صناعةٌ من طراز فريد؛ صناعة غير مألوفة، صناعة رجال هم حملة مشكاة النبوة. 

وأوضح رئيس الجامعة، أن الإصلاح هو رسالة الأنبياء؛ مصداقًا لقول ربنا -جل وعلا- على لسان خطيب الأنبياء سيدنا شعيب عليه السلام: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود 88] وقد استوقفني في هذه الآية الكريمة قوله: ﴿ما استطعت﴾؛ وأراح قلبي، وأذهب هَمَّ نفسي؛ لأن الرغبة في الإصلاح والعزيمة عليه بحر لا ساحل له، وعموم يشمل إصلاح كل شيء في المجتمع، وقد يستهلك الإنسان عمره دون أن يبلغ في الإصلاح منتهاه؛ ولذا قيد سيدنا شعيب إرادته الإصلاح بقوله: ﴿ما استطعت﴾؛ ليقول لكل مصلح: إنك إذا بذلت وسعك وقدمت لأمتك ما تستطيع من وجوه الإصلاح فقد أديت ووفيت؛ فلا تذهب نفسُك حسرات إن لم تبلغ غاية الإصلاح ومنتهاه. 

وأشار رئيس جامعة الأزهر، إلى أنه أعجبه في هذا المعنى كلمةٌ جيدة لـ أحمد أمين في كتابه القيم: (زعماء الإصلاح في العصر الحديث) جرت على لسان مدحت باشا ( 1238 – 1301 هـ / 1832 – 1883 م ) أحد زعماء الإصلاح الاجتماعي في استانبول، قال: «إن حب الإصلاح قد اختلط بدمي؛ فكان كالمرض المزمن لا يُبْرَأُ منه»، وقال: إن الشاعر أحمد شوقي مدح خير البرية سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: المُصلِحونَ أَصابِعٌ جُمِعَت يَدًا      هِيَ أَنتَ بَل أَنتَ اليَدُ البَيضاءُ

وأوضح رئيس الجامعة أن أمير الشعراء أحمد شوقي شبه المصلحين بأصابع اليد، واختار أصابع اليد؛ لأن بها إتقان الدقائق فى كل عمل تزاوله اليد، واصفًا المصلحين في كل أمة بأنهم هم الأصابع المحركة لكل فضيلة، والموجهة لكل طاقة، هم قوة الأمم، إذا فُقِدُوا فُقِدَتْ؛ لأن البلاد دونهم ليس فيها إلا التخلفُ والعجزُ والوَهَنُ والذُّلُّ، والمصلحون فى كل زمان أفراد قليلون تَعُدُّهُمْ عَدًّا، ولكنهم مَعْدِنُ كُلِّ إتقان ومَنْبَعُ كُلِّ فَضْلٍ: هُمُ الناسُ كُلُّ الناسِ يا أُمَّ مَالِكِ 

ونوه بأن ملامحُ التشابه بين المصلحين كثيرة كالتشابه بين أصابع اليد الواحدة؛ لأنهم نسيجٌ واحدٌ، وإن انفرد كل منهم بفضائل كما تتمايز الأصابع في الطول والقصر، وكما تتمايز بصماتها من شخص لآخر، أما مَعْدِنُ الفضل فواحد، وجَمَعَ شوقى للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- إصلاح المصلحين فى كل زمان، حين جعل اجتماع الإصلاح فيه كاجتماع الأصابع في اليد الواحدة، فانظر كيف تكون هذه اليَدُ التي اجتمع فيها الإصلاح كُلُّه؟! ولو قال شوقي: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جمع الإصلاح كله لَمَا كان له من الحُسْنِ والتأثيرِ والاقتدارِ على تصوير المعنى مِثْل هذا التشبيه الرائع، ثم فاجأنا شوقى فلم يقل ما يتوقعُه السامعُ من أن هذه اليد التي جَمَعَتِ الإصلاحَ كُلَّهُ هى يَدُ الرسول صلى الله عليه وسلم، بل قال: «هى أنتَ»؛ ليدل على أن الإصلاح كله تجسد فيه -صلى الله عليه وسلم- بكل ما اجتمع فى المصلحين من سمات، وبكل ما انفرد به كل واحد منهم من خصائص، فهو الجامع لكمالاتهم أجمعين، ثم ارتقى شوقي مرتقى أعلى حين جعل يد الإصلاح التي هي الحبيب -صلى الله عليه وسلم- جعلها هي صغرى مناقبه الشريفة؛ لأنه هو النعمة العظمى؛ ولذا قال: "بل أنت اليد البيضاء"؛ واليد هنا مجاز عن النعمة، وبياضها عظمتها وظهورها. 

وبيَّن فضيلته أن القرآن الكريم أدب المصلحين حين هيأهم لتلقي التكذيب والإعراض من قومهم، بل السخرية والاستهزاء، وأنه ينبغي أن لا يصرفهم ذلك عن العمل وعن أداء رسالتهم النبيلة؛ ضاربًا مثلا لذلك بقوم نوح -عليه السلام- كانوا يسخرون منه كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾(هود38، 39) ، فكان عاقبةَ سخريتهم واستهزائهم الغرقُ والهلاكُ. 

كما بيَّن رئيس الجامعة أن قوم سيدنا شعيب -عليه السلام- ركبوا مركب الاستهزاء والسخرية والتهكم بنبيهم، وكان همُّهم هو السخريةَ منه، فهم يتفنون فيها؛ حيث بدأوا بهذا الاستفهام التهكمى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ (هود: 87) ، ثم تصايحوا بالسخرية والاستهزاء والتهكم فقالوا: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾، والتهكم من الدعاة والمصلحين والسخرية منهم والاستهزاء بهم طريق إلى الهلاك؛ لأن الأصل فى المجتمع السليم المعافى أن يُعْلِيَ شأن الدعاة والمصلحين ويوقرهم ويغرس في نفوس النشء حُبَّهُم ويُزْكِىَ رُوحَ التنافس في الإصلاح؛ وبهذا تُبْنَى الحضارات وترتقى الأمم، والتهكم والسخرية والاستهزاء بالدعاة والمصلحين هو قتل لهذا المعنى النبيل الذي تحيا به الأمم وتسعد، مشيرًا إلى أن سياق هذه الاستعارة التهكمية يُعْلِى قيمةَ الرُّشْد؛ لأنه السبيل إلى الإصلاح وإلى النجاة؛ ولذا جاء بين يديها قول لوط -عليه السلام- لقومه: ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ [هود 78] وجاء بعدها قوله -جل جلاله- عن ملأ فرعون: ﴿فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود97]؛ فإذا خلت أمة من رجل رشيد هلكت، وإذا اتبعت أمة أمر رجل غير رشيد هلكت، وإذا سخرت أمة من الحليم الرشيد وتهكمت به؛ لأنه يريد حياتها وتريد موته، ولم يعد للناس شغل إلا التهكم والسخرية من الحليم الرشيد وتصايحوا بذلك أخذتهم الصيحة، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُـواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود 94]، وابن كثير ذكر أن تسمية عقابهم هنا بالصيحة مناسب لتصايحهم بالتهكم والسـخرية من رسـولهم الكريم الأمين الفصيح فجاءتهم صيحة أسكتتهم، مؤكدًا على أن الأزهر الشريف قبلة العلم في العالم الإسلامي يزدحم الناس على بابه، والمَنْهَلُ العَذْبُ كثيرُ الورود، لافتًا إلى أن طلاب الأزهر الشريف هم سفراؤه، ومعاهدُه، وجامعاتُه في كل دولة في العالم، ينشرون فكره الوسطي المعتدل، ويحملون مصابيح الهداية ومشاعل النور إلى العالم، وهم المصلحون في بلادهم وأمتهم.

وقال رئيس الجامعة: إن الأزهر الشريف هو حامل لواء الإصلاح في العالم؛ ولذلك كان الحرص على إصلاح الأزهر الشريف من الحرص على إصلاح الأمة، والعالم الجليل فضيلةِ الشيخِ محمد الغزالي كانت له كلمةٌ جليلةٌ يقول فيها: «إن الأزهر الشريف مصنع الأدوية لعلل الأمة، فإذا غُشَّتِ الأدويةُ التي يُصْدِّرُها المصنع فإن العلل ستبقى مضاعفة؛ ولذا كانت العناية بالأزهر الشريف من العناية بالدين»، حتى قال شيخنا أبو موسى– أطال الله في العافية بقاءه–: «إن الإصلاح في الأزهر الشريف كالإصلاح في الحرم».

وذكر فضيلته أن المؤرخين ذكروا أن مما قدمه الإمام محمد عبده من وجوه الإصلاح في الأزهر الشريف أنه أقام مجالس العلم في أروقته على الكتب التي أسست المعرفة حين قام بتدريس كتابي الإمام عبد القاهر أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، وعهد إلى الشيخ سيد بن علي المرصفي تدريس كتاب الكامل للمبرد وشرح ديوان الحماسة لأبي تمام، وعهد إلى الشيخ محمد محمود الشنقيطي نشر كتاب المخصص لابن سيده، ووجه بإعداد مدونة الإمام مالك، والأزهر الشريف اليوم ماضٍ على الدرب، مواصل لتدريس هذه الكتب وأخواتها من الكتب التي أسست المعارف والعلوم، وخرَّجت العلماء جيلًا بعد جيل، وصار لمجالس العلم في جامعه وجامعته دوي كدوي النحل، وهذا من التمسك بالأصالة، مع الحث على التجديد والابتكار في المعرفة.

وختم رئيس الجامعة كلمته بقول الله -جل وعلا- في مدح المتمسكين بثوابتهم وأصالتهم المحافظين على قيمهم وتعاليم دينهم: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف 170]، حيث أخبر الله عن الذين يمسكون بالكتاب ويقيمون الصلاة بأنه -جل جلاله- لا يضيع أجرهم، ومدحهم بأنهم مصلحون.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق