أزمة إنسانية غير مسبوقة في السودان وسط تصاعد الانتهاكات ـ اعرف كورة

مصر تايمز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

 تستمر الغارات الجوية العشوائية في إقليم دارفور بالسودان في حصد أرواح المدنيين، حيث تُعدّ المنطقة الأكثر تضرراً من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، وبينما تحذر الأمم المتحدة من أزمة إنسانية تهدد جيلاً بأكمله، يصنّف مجلس الأمن الغارات على المدنيين بأنها "جرائم حرب". لكن الإهمال الدولي والعربي المستمر، وغياب الضغوط الجادة لوقف الحرب، 

 

يفاقمان من معاناة السودانيين.
تشهد دارفور، الإقليم الواقع غربي السودان، ويلات حرب طاحنة تفاقمت تداعياتها جراء الغارات الجوية التي يشنها الجيش السوداني، وفقاً لتقرير صادر عن فريق الخبراء المعني بالسودان التابع لمجلس الأمن الدولي في أبريل الماضي، وثّق الفريق 140 غارة جوية خلال 11 شهراً استهدفت مناطق مدنية في دارفور، أصابت 20 منطقة حضرية، بما في ذلك منازل، أسواق، مستشفيات، ومخيمات للنازحين داخلياً. 
 

التقرير، الذي أُحيل إلى مجلس الأمن، أشار إلى أن هذه الغارات أسفرت عن مقتل وإصابة مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وأعاقت الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية. وجاء في التقرير: "الغارات العشوائية التي استهدفت مخيم زمزم للنازحين ومستشفى ومدرسة تؤوي نازحين تنتهك القانون الدولي الإنساني وترقى إلى مستوى جرائم الحرب."


فظائع متكررة وصمت دولي
رغم الإدانات المتكررة من منظمات حقوقية محلية ودولية، تواصل القوات المسلحة السودانية استهداف المناطق المكتظة بالسكان،  في 24 مارس الماضي، استهدفت غارة جوية سوقاً مزدحماً في قرية طورة بشمال دارفور، مما أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شهود عيان وصور ومقاطع فيديو من الموقع: "عشرات الجثث المتفحمة وبقايا بشرية متناثرة في سوق مشتعل"، فيما قدّرت منظمة آفاز الأمريكية عدد القتلى بأكثر من 200 بناءً على تقارير محلية.
 

وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان رسمي بتاريخ 25 مارس  : "الهجمات العشوائية على المدنيين والأعيان المدنية مرفوضة وقد تشكل جرائم حرب، يجب أن تكون هناك محاسبة كاملة لهذه الانتهاكات، ولا ينبغي أن يصبح هذا السلوك أمراً طبيعياً."  
 

براميل متفجرة: سلاح الدمار العشوائي
بلغت الانتهاكات ذروتها مع استخدام الجيش السوداني للبراميل المتفجرة، وهي أسلحة بدائية لكنها مدمرة، في يوليو من العام الماضي، أفادت مصادر محلية بقصف مدينة الجنينة في غرب دارفور بالبراميل المتفجرة، مما أدى إلى تدمير منازل وقتل امرأة وإصابة أربعة آخرين، وأكدت مبادرة دارفور للعدالة والسلام في بيان: "المناطق المستهدفة بعيدة عن المواقع العسكرية، وسقط أحد البراميل على مقبرة"، داعية المجتمع الدولي إلى فرض حظر طيران على دارفور والسودان.
 

وفي فبراير من نفس العام ، نددت منظمة محامو الطوارئ بقصف منطقة حمرة الشيخ بولاية شمال كردفان بالبراميل المتفجرة للمرة العاشرة في ثمانية أشهر، مشيرة إلى أن المنطقة "خالية من أي أهداف عسكرية"، واصفة الهجوم بأنه "جريمة حرب كاملة الأركان"  


إهمال دولي وتغافل عربي: السودان يُترك لمصيره
في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في السودان، يبرز الإهمال الدولي والعربي كعامل رئيسي في استمرار المأساة. على الرغم من التقارير المتكررة التي وثقت انتهاكات جسيمة، فإن المجتمع الدولي لم يتخذ إجراءات حاسمة لوقف الحرب أو فرض عقوبات شاملة على الأطراف المتورطة، قرارات مجلس الأمن، مثل حظر الطيران في دارفور، ظلت حبراً على ورق، دون تنفيذ فعال أو ضغط جاد على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للعودة إلى طاولة المفاوضات. 
 

الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أغسطس من العام الماضي، لم تتبع ذلك بخطوات دبلوماسية أو عسكرية لضمان الامتثال، مما جعل العقوبات رمزية أكثر منها فعالة، وفي السياق ذاته، فشلت مبادرات دولية مثل محادثات سويسرا في أغسطس 2024 في تحقيق اختراق، حيث رفض البرهان المشاركة، دون أن يواجه تداعيات كبيرة، وأشار تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 10 سبتمبر 2024 إلى أن "غياب الإرادة السياسية لدى القوى الكبرى يعيق أي تقدم نحو حل الأزمة السودانية، مما يترك المدنيين عرضة لمزيد من الفظائع."
 

على الصعيد العربي، يتجلى التغافل بشكل أكثر وضوحاً، الدول العربية، التي كانت تاريخياً لاعباً مهماً في دعم السودان سياسياً واقتصادياً، لم تبذل جهوداً كافية للوساطة أو الضغط على الأطراف المتحاربة،، و الجامعة العربية، التي أصدرت بيانات تدين العنف، لم تطلق مبادرات ملموسة لوقف النزاع أو حشد الدعم الإقليمي لإنقاذ السودان من كارثته الإنسانية، وفي حين استضافت دول مثل مصر وتشاد آلاف اللاجئين السودانيين، فإن غياب تحرك عربي موحد لمعالجة جذور الأزمة أثار انتقادات واسعة. 
قال رئيس الوزراء السوداني، الدكتور عبد الله حمدوك، في مقابلة في تصريح : "السودان ينزف، والعالم العربي يقف متفرجاً. لا توجد مبادرة عربية جادة لوقف الحرب، وهذا التخاذل يفاقم معاناة شعبنا."

 

 كما أشارت مبادرة دارفور للعدالة والسلام في بيان لها في يوليو 2024 إلى أن "الصمت العربي إزاء جرائم الحرب في دارفور يعكس غياب الأولوية للقضية السودانية في الأجندات الإقليمية."
 

هذا التغافل العربي والإهمال الدولي يعززان شعور السودانيين بالهجران، حيث يواجه أكثر من 30 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، و600 ألف في حالة مجاعة، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في مارس 2025. وبينما تستمر الغارات ويتفاقم النزوح، يبقى السودان رهينة لصراع يغذيه غياب الضغط الدولي والإقليمي الفعال.
 

عقوبات دولية ودعوات للمحاسبة
استجابة لتفاقم الانتهاكات، فرضت الولايات المتحدة في أغسطس 2024 عقوبات على قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بسبب "انتهاكات القانون الإنساني الدولي" و"عرقلة تقدم السلام"، بما في ذلك رفضه المشاركة في محادثات وقف إطلاق النار في سويسرا، وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي: "استخدام القوات المسلحة السودانية لحرمان الغذاء كتكتيك حرب وعرقلتها للمساعدات الإنسانية ساهمت في أكبر أزمة إنسانية في العالم"  
 

دعوة للتحرك العاجل
مع استمرار الغارات وتفاقم الأزمة الإنسانية، تتزايد الدعوات لتفعيل قرار حظر الطيران في دارفور وتوسيعه ليشمل السودان، إلى جانب الضغط على الأطراف المتحاربة للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن في ظل الإهمال الدولي والتغافل العربي، يبقى السؤال: هل سيتمكن السودان من الخروج من هذه المأساة، أم ستظل سماء دارفور تمطر موتاً؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق