شهدت نقابة الصحفيين المصريين في الثاني من مايو الجاري حدثًا مهنيًّا بارزًا تمثَّل في انتخابات التجديد النصفي لاختيار النقيب وستة أعضاء جدد لمجلس النقابة. وبعد سلسلة من التأجيلات التي بدأت في السابع من مارس الماضي، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، اكتملتِ الجمعية العمومية، وسط مشاركة واسعة من الأعضاء، وأجواء ديمقراطية عكست حرصَ الجماعة الصحفية على إظهار صورة لائقة بالنقابة ودورها المهني.
تُعَد نقابة الصحفيين واحدةً من أعرق النقابات المهنية في المنطقة العربية، بعدما تأسست عام 1941 لتكون صوتًا للصحفيين المصريين في الدفاع عن حقوقهم المهنية والاجتماعية، فضلًا عن الموقف القومي العروبي للنقابة، الذي تبدى خلال العقود الماضية، ووضح بقوة خلال اجتماع الجمعية العمومية الأخيرة، من واقع القرارات التي وافق عليها معظم الأعضاء.
ومن بين قرارات وتوصيات أعلنها رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، جمال عبد الرحيم: الرفض القاطع لمخططات تهجير الشعب الفلسطيني، تأييد الموقف المصري الرسمي الداعم للحقوق الفلسطينية، استمرار دعم الصحفيين الفلسطينيين الموجودين في مصر، التمسك بقرارات كل الجمعيات العمومية السابقة بشأن حظر كل أشكال التطبيع المهني والنقابي والشخصي بكافة أشكاله مع الكيان الصهيوني، ومنع إقامة أي علاقات مع الشركات والأفراد الإسرائيليين.
وجاءتِ انتخابات التجديد النصفي (تُجرى كل عامين) لتجديد منصب النقيب ونصف أعضاء المجلس، ومن ثم شكَّلت محطةً حاسمةً لتحديد مسار النقابة، وتزامنتِ الانتخابات مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، كما تزامنت مع تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الأوضاع المالية للصحفيين، مما جعل قضايا كزيادة بدل التكنولوچيا وتحسين المعاشات محورًا رئيسيًّا في البرامج الانتخابية.
ضوابط المنافسة
حرصتِ اللجنة المشرفة على الانتخابات، برئاسة سكرتير عام النقابة، على وضع ضوابط صارمة لضمان نزاهة العملية الانتخابية. تم الإعلانُ عن إجراءات استرشادية شملت تسجيل الحضور من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، مع إمكانية التمديد إذا لزم الأمر، كما تم تحديد آليات واضحة للاقتراع والفرز، مع إشراف قضائي كامل لضمان الشفافية. وقد ساهمت هذه الإجراءات في تعزيز ثقة الأعضاء في العملية الانتخابية، حيث لم تُسجَّل أيُّ شكاوى رسمية تتعلق بانحياز اللجنة لمرشح بعينه.
وقفتِ النقابة على مسافة متساوية من جميع المرشحين، وهو ما تجلَّى في عدة جوانب. أولًا، تم السماح لجميع المرشحين بتقديم برامجهم الانتخابية دون قيود، مع توفير منصات متساوية للدعاية داخل مقر النقابة. ثانيًا، حظرتِ اللجنة المشرفة أيَّ دعاية تحمل شعارات عنصرية أو تسيء للمنافسين، مما ساعد في الحفاظ على أجواء تنافسية مهنية. وثالثًا، تم التعاملُ مع جميع المرشحين بنفس المعايير فيما يتعلق بإجراءات الترشح، ومسار العملية الانتخابية، حتى إعلان النتائج.
مظهر حضاري
تميَّز الناخبون من الصحفيين بمظهر حضاري عكس وعيَهم بأهمية الحدث، وشهد مقر النقابة إقبالًا كبيرًا من الصحفيين من مختلف الأجيال والتوجهات. وأعلنتِ اللجنة المشرفة على الانتخابات اكتمالَ الجمعية العمومية بمشاركة 6051 عضوًا من بين 9902 عضوٍ مسدِّدٍ للاشتراك (بنسبة 61%)، بينما كان الحد الأدنى اللازم لاكتمال النصاب هو 2550 عضوًا (25%). وقد بلغ عدد الأصوات الصحيحة 5970 صوتًا، مقابل 81 صوتًا باطلًا.
تجلَّى المظهر الحضاري في مظاهر عدَّة، ليس فقط في الإشراف القضائي الذي لعب دورًا حاسمًا في تعزيز الثقة بالعملية الديمقراطية، خلال التصويت والفرز بحضور ممثلي المرشحين، بل أيضًا في: أولًا، التزام الناخبين بالضوابط التنظيمية، حيث لم تُسجَّل أيُّ حالات شغب أو تجاوزات أثناء التسجيل أو التصويت. ثانيًا، حرْص الأعضاء على مناقشة البرامج الانتخابية في إطار مهني، مع التركيز على قضايا مثل تحسين بيئة العمل الصحفي وحماية الحريات. وثالثًا، ساهم تنوع المشاركين، الذي شمل صحفيين شبابًا ومخضرمين، في إثراء النقاشات وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.
كما أسهمتِ الإجراءات اللوجستية في تعزيز هذا المظهر الحضاري. فقد جهزتِ النقابة خيمةً أمام المقر لاستقبال الناخبين، مع توفير خدمات طبية للطوارئ. وتجسدتِ الأجواء الديمقراطية في حرية التعبير التي تمتع بها المرشحون والناخبون على حدٍّ سواء، وأسهم التنوعُ في المرشحين في تعزيز الطابع الديمقراطي، بعدما تنافس 43 مرشحًا لعضوية مجلس النقابة فوق وتحت السن، و8 مرشحين لمنصب النقيب، مما عكس تعدد الرؤى والتوجهات داخل الجماعة الصحفية.
أسفرتِ الانتخابات عن فوز خالد البلشي بمنصب النقيب لدورة ثانية، بحصوله على 3346 صوتًا، مقابل 2562 صوتًا لعبد المحسن سلامة. كما تم انتخاب ستة أعضاء لعضوية المجلس، هم: محمد شبانة، حسين الزناتي، محمد سعد عبد الحفيظ، أيمن عبد المجيد، إيمان عوف، ومحمد الشاذلي، وسط رهانات على تحسين الخدمات الاجتماعية وزيادة بدل التكنولوچيا دون التنازل عن المبادئ المهنية.
توصيات مهمة
فيما يتعلق بالتوصيات، وافقتِ الجمعية العمومية على عدد من البنود الجوهرية. شملتِ التوصيات: تفعيل القرار السابق بحظر الجمع بين مواقع النقيب وأعضاء مجلس النقابة، وبين أي منصب حكومي بالتعيين أو الانتداب أو الإعارة أو على أيِّ نحوٍ كان، لصون استقلال نقابة الصحفيين واستقلالية نقيبها وأعضاء مجلسها المنتخبين، وحرصًا على تجنُّب تعارض المصالح، وكذلك إعمالًا لضمانات القانون التي تشدد على استقلالية الصحفيين أنفسهم، وفقًا للمادة (7) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018.
كما أوصتِ الجمعية العمومية بعدم الموافقة على إجراء تعديلات على قانون نقابة الصحفيين (رقم 76 لسنة 1970)، إلا بعد العرض على جمعية عمومية مكتملة النصاب.
وأوصتِ الجمعية مجلسَ النقابة بعدم قبول الحاصلين على شهادات «التعليم المفتوح» للقيد بالنقابة، ويُستثنى من ذلك الحاصلون على الثانوية العامة أو الأزهرية قبل الالتحاق بالتعليم المفتوح.
كما دعتِ الجمعية مجلس النقابة إلى مخاطبة الهيئة الوطنية للصحافة لتحويل صرف بدل التدريب والتكنولوچيا الخاص بالمؤسسات الصحفية القومية إلى نقابة الصحفيين مباشرة، تمهيدًا لإعداد لائحة مالية موحدة لأجور الصحفيين في المؤسسات القومية، بما يضمن المساواة بين الزملاء في مختلف المؤسسات.
وشملتِ التوصيات كذلك إنشاء دار مسنين لشيوخ المهنة، مع تنظيم ملتقى سنوي للتوظيف يتيح للصحفيين وأبنائهم فرصةَ التواصل المباشر مع الجهات والمؤسسات المختلفة، بما يسهم في توفير فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم، ويعزز من دور النقابة كجسر فاعل بين أعضائها وسوق العمل.
تكليفات نقابية
كلَّفتِ الجمعية العمومية مجلسَ النقابة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر العام السادس للصحفيين، الذي عُقد خلال الفترة من 14 إلى 16 ديسمبر الماضي، واعتمادها كخطة عمل لإصلاح أوضاع المهنة. وشمل ذلك: تعديل لائحة القيد لغلق الأبواب الخلفية أمام غير الممارسين للمهنة، إلزام المجلس بالمراجعة الدورية لأوضاع الصحف، منع القيد من صحف متوقفة أو غير مستوفاة للهياكل الإدارية، إلى جانب مراجعة دورية لأعداد المقبولين من الصحف المختلفة.
كما تم تكليف المجلس بتفعيل قرار الجمعية السابق بالتصدي للكيانات النقابية الموازية، التي تغتصب جزءًا من الدور القانوني والمهني للنقابة، رغم كونها كيانات عمالية لا علاقة لها بالمهنة. وأكدتِ الجمعية أن هذه الظاهرة تفتح البابَ لانتحال صفة صحفي، وتسمح بتدخلات غير قانونية في شئون الصحافة.. مطالبةً الأجهزة المعنية بعدم منح هذه الكيانات أيَّ تسهيلات أو مزايا باسم الصحفيين، والتأكيد على أن التعامل في هذا الشأن يتم حصريًّا مع النقابة. كما شددت على ضرورة تفعيل قانون النقابة تجاه مَن ينتحل صفة صحفي.
وأقرتِ الجمعية تكليفَ مجلس النقابة بسرعة إقرار لائحة موحدة للأجور في كل المؤسسات الصحفية التي يُقبل منها الأعضاء بالنقابة، بما يضمن حياةً كريمةً للصحفيين، على ألا يقل الحد الأدنى للعقود المعترَف بها عن الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الدولة. كذلك شددتِ الجمعية على ضرورة التحرك العاجل لحل أزمة الصحف الحزبية والمستقلة المتوقفة عن الصدور.
وأكدتِ الجمعية تفعيل قرارِها السابق بإلزام مجلس النقابة بإحالة رؤساء مجالس إدارات الصحف من أعضاء النقابة، ورؤساء التحرير، إلى التأديب حال فصلهم الصحفيين تعسفيًّا. كما شددت على ضرورة التعامل الجاد والسريع مع ظاهرة الفصل التعسفي، واعتباره «خطًا أحمر»، مع تأكيد التضامن الكامل مع الزملاء الذين لا يزالون رهن الحبس الاحتياطي، والمطالبة بالإفراج عنهم بضمان النقابة، وتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية، وتسهيل زيارات أسرهم، وتمكين أعضاء مجلس النقابة ومحاميها من التواصل معهم.
وجاء إعلان نتائج الانتخابات متزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)، وهو مناسبة سنوية لتذكير الحكومات بضرورة احترام حرية الصحافة، وضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين. كما يشكل اليوم فرصةً للتأمل في قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها، ويخصصه العالم لتقييم حال الصحافة، والتذكير بانتهاكات حرية التعبير، وتكريم الصحفيين الذين ضحّوا بحريتهم أو حياتهم من أجل إيصال الحقيقة.
اقرأ أيضاً
"يوم".. الصحفيين«عبد المحسن سلامة» يهنئ البلشي لفوزه بمنصب نقيب الصحفيين ويشكر الجمعية العمومية
0 تعليق