أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "السياسات الحمائية"، مشيراً إلى أن الحمائية تُعرَّف في الاقتصاد بأنها استخدام للحواجز التجارية لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، وتُعد التعريفات الجمركية على الواردات من أهم الحواجز التي تستخدمها الحكومات عند سعيها لسن سياسات حمائية، وهي فكر وسياسات مخالفة لفكرة التجارة الحرة التي شهدت صعودًا واضحًا في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وذلك بعد أن عانت التجارة العالمية خلال أزمة الكساد الكبير من فرض التعريفات الجمركية في ثلاثينيات القرن الماضي. ومع ذلك، فقد بدأ مسار السياسات العالمية يتجه نحو الحمائية من جديد إزاء التوترات والاضطرابات العالمية، مما يثير القلق حول تكرار أزمة الكساد الكبير.
وأوضح المركز أن فرض تعريفات جمركية على البضائع المستوردة، يؤدي بالتبعية إلى زيادة تكلفة شرائها على المستهلكين، الأمر الذي يجعلها أقل تنافسية في مواجهة البضائع المصنوعة محليا، مما سيسهم في تعزيز الصناعة المحلية وخلق فرص عمل إلى جانب زيادة الإيرادات الحكومية، إلا أن الأمر قد يواجه توترا في العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على جانب العرض، خاصة بالنسبة للاقتصادات الصغيرة التي تعتمد بشكل كبير على التجارة، مما يُسبب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير.
كذلك قد تلجأ الحكومات في سياساتها الحمائية إلى حواجز غير جمركية كحصص الاستيراد، والتي تحدد عدد المنتجات المسموح باستيرادها خلال فترة زمنية محددة، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الشركات المحلية لتغطية العجز، كما قد تقدم الحكومات إعانات حكومية للمنتجين المحليين إما بشكل مباشر في صورة دعم نقدي، أو بشكل غير مباشر كالقروض المعفاة من الفوائد والإعفاءات الضريبية، خاصة للشركات التي تُصدر منتجاتها للخارج، وذلك سعياً لتعزيز الميزان التجاري من خلال تحفيز الصادرات على التوسع عالميا.
141.7 مليار دولار إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2024
وأوضح التحليل أن الولايات المتحدة ترى أن لذلك النوع من السياسات الحمائية دورا في تعزيز الاقتصاد الأمريكي من خلال معالجة العجز التجاري، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتحفيز الإنتاج المحلي. وقد سنت قانون سموت-هاولي للتعريفات الجمركية (1930) خلال فترة الكساد الكبير بهدف حماية الصناعات والوظائف الأمريكية، ولكنه أدى إلى تفاقم الركود الاقتصادي، بعد أن ردّت دول أخرى بفرض تعريفات مماثلة.
وأشار التحليل إلى أن عجز الميزان التجاري الأمريكي قد ارتفع على أساس سنوي بقيمة 64.5 مليار دولار في يناير من عام 2025 مقارنةً بيناير من عام 2024، بنسبة زيادة تُقدر بـ 96.5%، وذلك حسبما أعلنه مكتب الإحصاء الأمريكي ومكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي.
وينتهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة حمائية على العديد من دول العالم بعد توليه الرئاسة الأمريكية لفترة ثانية، ويرى المحللون أن لهذا الأمر تبعات على سلاسل التوريد الدولية، وقد يؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وقد بدأ الرئيس الأمريكي أولى تلك السياسات بفرض تعريفات جمركية واسعة على الواردات القادمة من كل من الصين وكندا والمكسيك، ليتبع ذلك جميع دول العالم.
كما يتباين حجم الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على جميع دول العالم، إذ تم تطبيق تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع الواردات الأجنبية القادمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ الخامس من أبريل 2025، في حين تم تطبيق تعريفات جمركية إضافية على بعض الدول بعينها كالتي تفرض رسومًا جمركية أعلى على السلع الأمريكية، أو تطبق حواجز "غير جمركية" على التجارة الأمريكية.
وأضاف التحليل أن الصين تواجه النصيب الأكبر من تلك الرسوم الجمركية بعد أن تم إرجاء الرسوم التي تم فرضها على معظم دول العالم لمدة 90 يوما في التاسع من أبريل لعام 2025 باستثناء الصين التي تم رفع الرسوم الجمركية على بعض منتجاتها إلى 245% في الخامس عشر من أبريل 2025، لترد الصين برسوم جمركية إضافية وصلت قيمتها إلى 125%، في ظل توقعات عالمية بمزيد من التصعيد بين الجانبين.
أوضح التحليل أنها لم تكن تلك المرة الأولى التي يتم فيها فرض رسوم جمركية على الصين، فقد بدأت إدارة ترامب في فرض تعريفاتها الجمركية على الواردات الصينية منذ عام 2018، مما تسبب في خفض واردات الولايات المتحدة من بعض المنتجات الصينية بشكل حاد، ولكن كان لجائحة كوفيد-19 رأي آخر، فقد تزايد حجم الطلب العالمي على المنتجات المتعلقة بالجائحة، مثل الأقنعة الجراحية وأجهزة التنفس الصناعي، ثم تحول الطلب إلى الإلكترونيات وأجهزة الاتصالات للعمل والتعليم عن بُعد في ظل الإغلاق، ثم إلى مجموعة أوسع من المنتجات الصناعية التي لم تتمكن دول أخرى من توفيرها بسبب الاضطرابات اللوجستية.
ويرى المحللون أن تبعات السياسات الحمائية الأمريكية قد تختلف على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طبقاً لحجم تعاملاتها مع الولايات المتحدة، وقد بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يُقدر بنحو 141.7 مليار دولار أمريكي خلال عام 2024، وشهدت صادرات السلع الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة تُقدر بـ 5.8% (4.4 مليارات دولار أمريكي) خلال عام 2024، مقارنة بعام 2023. في حين واجهت واردات السلع الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط وشمال انخفاضا يُقدر بـ 1.6% (1.0 مليار دولار أمريكي) عن عام 2023.
وقد استعرض التحليل بعض تجارب الدول "بين القيود التي فُرضت عليها والقيود التي فرضتها" وذلك كالتالي:
- لقد استطاعت الصين التكيف مع القيود التجارية والتكنولوجية التي فرضتها عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد ساعدها في ذلك الطلب العالمي المرتبط بجائحة كورونا على السلع الصينية، ونجاح الصين في تطوير أسواق تصدير بديلة، فقد قابلت هذا الانخفاض في الواردات الأمريكية من الصين زيادة الصادرات الصينية إلى دول شرق وجنوب شرق آسيا وأوروبا الغربية، بالإضافة إلى الدول المجاورة لأمريكا، مثل كندا والمكسيك، ولم تكتف الصين فحسب بالرد على القرارات الأمريكية برسوم جمركية متبادلة، بل شرعت أيضاً بسن قانون لمكافحة العقوبات الأجنبية في عام 2021، مما يسمح للصين بمعاقبة الشركات الأجنبية على أفعال تعتبرها تتعارض مع مصالحها، كذلك تركز الصين في المقام الأول على استقرارها التجاري من خلال تمويل الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، لدعم الإنتاج الموجه نحو التصدير، كما تعمل الصين على تبسيط إجراءاتها الجمركية ، وتسهيل حركة البضائع في الموانئ والسكك الحديدة، وتبادل المعلومات بهدف تيسير التجارة الدولية، وذلك في ظل سعي الحكومة الصينية لاستكمال تنفيذ مبادرة الحزام والطريق لفتح سلاسل توريد جديدة والاستفادة من كونها عضواً في تكتل البريكس.
- تبنت البرازيل سياسة صناعية منغلقة على نفسها في أعقاب الأزمة الاقتصادية خلال عام 2008، مع قيام عدد من الدول بفرض حواجز حمائية على التجارة، كما اتخذت عدة إجراءات للحد من تدفق السلع المستوردة الرخيصة، من بينها سياسات مكافحة الإغراق، حيث فرضت الحكومة البرازيلية خلال عام 2011 زيادة بنسبة 30% على ضريبة المنتجات الصناعية للمركبات التي تقل قيمتها المضافة عن 65% سواء داخل البرازيل أو المكسيك أو دول السوق المشتركة الجنوبية "الميركسور"، وذلك بهدف تعزيز السوق المحلي وتشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار.
- في إطار تنفيذها لسياسة "صنع في الهند" تطبق الهند مجموعة من التدابير لتعزيز التصنيع الموجه نحو التصدير، كفرض التعريفات الجمركية، وتقديم الحوافز المرتبطة بالإنتاج، والالتزام بمتطلبات المحتوى المحلي، وقد فرضت الهند رسوماً جمركية مرتفعة على وارداتها، خاصة المنتجات الزراعية، كما اتخذت حواجز غير جمركية أيضاً، من بينها حظر الاستيراد ومتطلبات الترخيص لبعض المنتجات المستوردة، وذلك بهدف زيادة إنتاجها المحلي وتقليل اعتمادها على السلع والمنتجات الأجنبية، وفيما يتعلق بالتجارة الرقمية، فقد ألزمت مزودي خدمات الدفع بتوطين البيانات الهندية محلياً، حفاظاً على أمنها القومي وسيادة البيانات، وذلك بالإضافة إلى الدعم المقدم للمزارعين الصغار الذين يزرعون المحاصيل الأساسية مثل القمح والأرز لضمان أمنها الغذائي.
وأوضح التحليل في ختامه أنه على الرغم من المنافع الاقتصادية التي قد تجلبها السياسات الحمائية، فإن لها عيوبها الكثيرة التي قد تفوق تلك الفوائد، وذلك لما تتبعه تلك السياسات من إجراءات مماثلة من الدول الأخرى، مما يؤثر سلبًا في التجارة العالمية والنمو الاقتصادي، ويعطل سلاسل القيمة العالمية، كما قد تؤدي السياسات الحمائية إلى انعدام الكفاءة والابتكار، نظرا لغياب المنافسة، على عكس سياسات التجارة الحرة التي تعمل على تعزيز الروابط التجارية بين البلدان وتحسين جودة المنتجات والخدمات، نتيجة التنافس المستمر.
0 تعليق